أهمية حسن الظن بالآخرين | أبو إبراهیم محمد أنیس العطاری المدنی


نشرت: يوم الأَربعاء،19-يناير-2022

أهمية حسن الظن بالآخرين

القلب والدماغ هما حجر الزاوية بالنسبة لجسم الإنسان، فالقلب بالنسبة للجسد أشبه بالملك للدولة، وأما العقل فهو وزيره المستشار.

فمن هنا نجد أن الدماغ قد يطرح أحيانا بعض الأفكار ثم يأتي القلب بدوره إما مؤيدًا لتلك الأفكار مذعنا لسلطانها، أو يرفضها مجانبًا لها نافرًا منها.

ولما كان العقل هو المقترح المستشار، كان من المهمّ أن نحدو بعقولنا نحو الإيجابية في التفكير وذلك من خلال الالتزام بالتعاليم الإسلامية والإرشادات النبوية الشريفة وإلا قادنا العقل إلى مهاوي الأفكار السيئة والظنون الكاذبة.

ومن هذه الإرشادات النبوية، حسن الظن... وهو ما سنسلط عليه الضوء في هذه الكلمات.

تعريف حُسْن الظَّن وحكمه:

ترجيح جانب ظن الخير على جانب الشَّر.

فحسن الظن قد يكون واجبا أحيانًا، كحسن الظن بالله، وأحيانًا يكون مستحبًا، كحسن الظن بالمؤمن الصالح.

الإسلام وحسن الظن:

إن سوء الظن من الأمور التي نهى عنها الشرع الشريف ونفر منها، بينما حسن الظن أمر مندوب مستحب. والسبب في ذلك هو أن عدم الثقة يؤدي إلى تدهور الحياة الشخصية للفرد وكذلك الحياة الجماعية في المجتمع. فمثلًا: الشخص الذي امتلأ قلبه بسوء الظن على عباد الله لا يبقي للصلح مجالًا، لأنه يعتقد أن الحقيقة كذبة ويرى الحقيقة على أنها صورة جميلة للخداع.

لذا فإن مثل هذه الأفكار الناشئة عن سوء الظن تشكل عاملًا أساسيًا في تقويض تماسك المجتمع. بينما في الوقت ذاته، معاملة أخيك المسلم باللطف على الدوام تنشر السلام والطمأنينة في المجتمع، وتعزز الاحترام المتبادل.

أهمية حسن الظن في القرآن الكريم:

قال الله تبارك وتعالى:

﴿لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡراً وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٌ مُّبِينٌ ١٢﴾

قال الخازن رحمه الله تعالى: "والمعنى: كان الواجب على المؤمنين إذ سمعوا قول أهل الإفك أن يكذبوه ويحسنوا الظَّن، ولا يسرعوا في التُّهمة، وقول الزُّور فيمن عرفوا عفَّته وطهارته".

وقال الله تبارك وتعالى:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَاتَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ ١٢﴾

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: عقَّب تعالى بأمره باجتناب الظَّن، وعلَّل ذلك بأنَّ بعض الظَّن إثم، وهو ما تخيَّلت وقوعه من غيرك من غير مستند يقيني لك عليه، وقد صمَّم عليه قلبك، أو تكلَّم به لسانك من غير مسوِّغ شرعي.

أهمية حسن الظن في الحديث النبويّ الشريف:

. عن النَّبي ﷺ، أنه قال: إيَّاكم والظَّن، فإنَّ الظَّن أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا.

شرح الحديث الشريف:

قال الإمام النَّووي رحمه الله تعالى: المراد: النَّهي عن ظنِّ السَّوء. قال الخطَّابي رحمه الله تعالى: هو تحقيق الظَّن وتصديقه دون ما يهجس في النَّفس، فإنَّ ذلك لا يُمْلَك. ومراد الخطَّابي رحمه الله تعالى أنَّ المحرَّم من الظّن ما يستمر صاحبه عليه، ويستقر في قلبه، دون ما يعرض في القلب ولا يستقر، فإنَّ هذا لا يكلَّف به.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نظر رسول الله ﷺ إلى الكعبة، قال: مرحبًا بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك، ولَلْمؤمن أعظم حُرْمَة عند الله تعالى منك، إنَّ الله حرَّم منك واحدة، وحرَّم من المؤمن ثلاثًا: دمه، وماله، وأن يُظنَّ به ظنَّ السَّوء.

فوائد حسن الظن:

تأمّلوا أيها الإخوة! ما أعظم هذه العطية، فكل ما عليك أن تفعله لتنال الأجر أن تعدّل اتجاه تفكيرك وأن تجعل الإيجابية وحسن النية هي المهيمنة على قلبك فتنال بذلك رضا الله تعالى وجزيل مثوبته.

إن لم يكن في هذه الميزة إلَّا راحة الفؤاد، وسلامة البال لكفى، كيف لا، وبها يسلم البشر من الخواطر السيئة التي تقلقه، وتجرح نفسه، وتجلب عليه كدر البال، وتعب الروح والجسم، ومن هنا نعرف فضيلة هذه الصِّفة العظيمة والخُلق الفضيل، وهذه جملة من منافع حسن الظن:

  1. حُسْن الظَّن دليل على كمال الإيمان كما قال الله تعالى:

    ﴿لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡراً وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٌ مُّبِينٌ ١٢﴾

  2. فيه إغلاق لأبواب الفتن والذنوب كما قال الله تعالى

    ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ﴾

  3. حسن الظن سبب زيادة الألفة والمحبَّة بين أفراد المجتمع، وحماية لهم من التَّفكُّك والتفرق.
  4. . حسن الظن علامة على القلب السليم والنَّفس الطاهرة، والروح المطمئنة.

إلى أي درجة نحسن الظن؟

قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى:

إذا اشتم الإنسان رائحة خمور فلا يجوز حصره (أي حصر الاحتمال في كونه شرب الخمر طواعية)؛ لأنه يحتمل أن يأخذ رشفة من الخمر ثم رمى بها أو لم يشرب أو اضطر لشربه نظرًا لوجود احتمال هنا بالتأكيد، فلا يجوز التأكيد بصدق (ما لم يعترف هو نفسه بالجريمة أو حتى يثبت ذلك من قبل الشهود) وبالتالي يكون لديك رأي سيء مع مسلم.

لا تنس أخي المسلم: أن حسن الظن لا يترتب عليه ضرر، ولكن سوء الظن ليس فيه فائدة وإذا استقر في القلب فهو الغيبة القلبية، لذلك كن حريصاً على حسن الظن بأخيك المسلم فإن ذلك يزيل الكراهية والحسد والغيرة والعداوة ويعزز أواصر الأخوة وروابط المحبة فيما بينكم.

وفقنا الله جميعًا أن نحسن الظن بالمسلمين مع الحيطة والحذر من الخداع والله الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

للاطلاع على مثل هذه المقالات المفيدة ليس عليك إلا زيارة هذا الموقع

تعليقات



رمز الحماية