وصفةُ تحويلِ الضَّعف الطَّبيعي للإنسان إلى قوَّة | الشيخ محمد قاسم العطاري


نشرت: يوم الإثنين،31-يناير-2022

وصفةُ تحويلِ الضَّعف الطَّبيعي للإنسان إلى قوَّة

قال الله تعالى:

﴿وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا ٢٨﴾

خُلق الإنسانُ ضعيفًا، ونتيجةً لذلك الضَّعف يستسلِم لهوى النَّفس سريعًا دون أن ينظر فيقدّر نتيجة ذلك الاستسلام ولو كانت نتيجته سيئةً جدًّا، يصعب على الإنسانِ أن يصبر عن ما تَطلبُه نفسُه مهما كانت تلك المطالِبُ مُؤذيةً له، ولكونه ضعيفًا أباح الله تعالى له الأشياءَ الكثيرةَ حتى ينتفِع بها ضمن حدودٍ وقيودٍ أقامها الشرعُ، ولم ينهَ إلا عن حالاتٍ فيها الخطرُ أو حدوثُ الضرر بدرجة كبيرة جدًّا أو إلحاق خسارة فادحةٍ لفرد أو مجتمع، أو كان سببًا لفسادٍ عظيمٍ.

هنالك جوانبُ ومظاهرُ عديدةٌ لضَعف الإنسان، وصفها القرآن بتفصيل دقيق، ولكن في الوقت نفسِه أشادَ الله تعالى بكرمه وفضله علاجات ذلك الضَّعف لعباده الضُّعفاء في سور القرآن الكريم وبالأسوة الصالحة بأنبيائه الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، حيثُ ذَكَر أيامَهم ومناقبَهم لفهم الدّروس، وجعلَ سيرةَ نبينا الأكرم ﷺ أسوةً حسنةً للأمة.

تعالوا بنا لنستكشف ضَعف الإنسان وعلاجَه في ضوء القرآن الكريم:

مِن ضعف الإنسان أنه سرعان ما يصيبه اليأسُ في الضِّيق ويُنكر الجميلَ، بينما وهو في الراحة أو الرَّخاء يتفاخرُ ويتباهى ويَصير ضحيَّةً للغَطرسة والغفلة.

ذكر الله تعالى في القرآن الكريم حكاية هذا الضَّعف قائلًا:

﴿وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ ٩ وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآء مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ ١٠﴾

ثم إنَّ القرآن الكريم ذكرَ حلّ هذا الضَّعف وعلاجًا، ألا هو التطلُّع إلى رحمة الله عند الشدائد بدلاً من اليأس، والسيرُ في طريقِ الصبر بدلًا من نَفاد الصبر، وأن يُعَوِّدَ الإنسان نفسَه على التوكل، فيَشكر الله سبحانه وتعالى على النِّعم، ويَنظر إلى رحمة الله تعالى بدلًا من اليأس لأن رحمة الله تعالى وسعت كلَّ شيء، حيث قال تعالى:

﴿وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ﴾

وقال أيضًا:

﴿لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ﴾

وقال في مكان آخر:

﴿وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٢٠٧﴾

فليَصبر المؤمن على المصائب؛ لأن الصبرَ من عند الله تعالى وهو يُعين المرءَ على التحمّل، ويُعطي القوَّة والهمَّة للقلب، وهذه القُوَّة تُساعده في التغلب على الصعوبات والآلام، قال الله تعالى:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٣﴾

وأشار إلى العلاقة بين الصبر والمثابرة بقوله:

﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ﴾

وهكذا جعل الله تعالى التوكل دعمًا قويًا لإصلاح أعمالِ الإنسان، ليُقَرِّبه إليه ويَجعله تحت حفظه وحمايته، فقال:

﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ﴾

وقال أيضًا:

﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ﴾

لو أردتَ الهمَّة العاليةَ عند الشدائد فلا أحسن من قوَّة التوكل والإيمان وتأمَّل في قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في ضوء القرآن الكريم، كيف أنه حينما غادر من مصر مع قومه بني إسرائيل تبِعَه فرعونُ بجيشه واقترب منه، وكان بنو إسرائيل إلى جانب البحرِ دون أي سلاح أو سفينة بينما كان فرعون يقِف في الجانب الآخر من البحر بجيشه وأسلحته وقوته ومجده غاضبًا عليه، فيا ترى كيف كان حال أصحاب سيدنا موسى عليه السلام بسبب الضَّعف الظاهرِي وعدم وجود آلات الحرب؟ ولقد وصفَها القرآن على النحو التالي:

﴿فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ ٦١﴾

ولكن سلوكَ عبد الله الصالح سيدنا موسى عليه السلام وتوكّله كان مختلفًا، فلم يَظهر منه القلقَ والهلَع على وجهه وهو في هذا الوضع الصعب على الإطلاق، بل قال:

﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ ٦٢﴾

فحدث ما حدث، وشقَّ الله البحر طريقًا سهلًا لسيدنا موسى عليه السلام وأصحابه، وذكر الله تعالى ذلك بقوله:

﴿فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ ٦٣ وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡأٓخَرِينَ ٦٤ وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ ٦٥ ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ ٦٦ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ٦٧﴾

ولو أردنا المزيد من قوَّة القلب التي تَنشأ بسبب التوكل على الله فلنتَذَكَّر قصةَ هجرة حبيبنا رسول الله ﷺ، كيف أن النبي ﷺ لما غادرَ مكة المكرمة إلى غار ثور في ظلام الليل مع رفيقه سيدنا أبي بكر الصديق  وهو ينوي الهجرةَ إلى المدينة، وتبعهما الكفارُ حتى وصلوا إلى مدخل غار ثور، واقتربوا منه لدرجة أنهم لو نظروا إلى أقدامهم وخفضوا رؤوسَهم قليلًا لوقع نظرتهم إلى داخل الكهف فرأوْهما، وبينما هما في هذا الوقت العصيب أعربَ سيدنا أبو بكر الصديق  عن قلقه من أجل حماية النبي ﷺ، ولكن سيدَنا الرسول الحبيب ﷺ كان عاليَ الهمة مع يقين بربه وصبر عظيم، فأجاب بكل اطمئنان وثقة وتوكل،

﴿إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ﴾

وهكذا ببركة هذا اليقينِ والتوكّلِ ظهر عونُ الله تعالى ونصرته لنبيه ورسوله حتى أن الكفارَ لم يخطر على بالهم بإلقاء تلك النظرةِ لداخل الكهف وهم على حافته، فعادوا من حيث جاؤوا والرسولُ ﷺ بقي على حاله سالِمًا والحمد لله.

وهكذا لو تأملنا في آيات الله تعالى وأحاديث رسول الله ﷺ ووقائع العالم الخارجي لعلِمنا علمَ اليقين أن الإنسانَ ضعيفٌ غاية الضعف، ولكن القرآنَ الكريم ذكر وصفةً ناجحة لتحويلِ هذا الضَّعف إلى قوَّة، وهذه الوصفةُ هي الصبرُ والهمّة والمثابرة وقوَّةُ الإيمان في القلب والتوكّلُ الحقيقي على درجة عالية تمنع الإلتفات إلى الأسباب بعد القيام بالمتاح منها قدر المستطاع، ولذلك حلُّ الضَّعفِ الطبيعي للإنسان هو النظرُ إلى رحمة الله تعالى في الشدائد بدلًا من اليأس، والسيرُ في طريق الصبر بدلًا من الاكتئاب، وزيادةُ الثقة في القلب وتقديمُ الشكر لله على النِّعم التي تفضَّل بها علينا، أسأل اللهَ لي ولجميع المؤمنين التوفيقَ والنجاحَ، وجعلنا جميعًا من عباده الصابرين الشاكرين، والحمد لله رب العالمين.

للاطلاع على مثل هذه المقالات المفيدة ليس عليك إلا زيارة هذا الموقع
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية