ومضات ودروس من حياة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى | الشيخ فارس عمران


نشرت: يوم الثلاثاء،15-فبراير-2022

ومضات ودروس من حياة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى

هو الإمام حجَّة الإسلام ومَحِجَّة الدين أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي، فريد عصره ونسيج وَحْدِه، أحد أعظم علماء المسلمين على الإطلاق، ومجدد القرن الخامس بالاتفاق، الجامع لأشتات العلوم والفنون.

ولد رحمه الله تعالى في مدينة طوس (بإيران وتسمى الآن بمدينة مشهد الرضا) سنة 450 هـ، لأبوين صالحين كريمين، فقد كان أبوه يغزل الصوف ويبيعه، وقد نشأ الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يتيمًا، ولكن الله سبحانه وتعالى تولى رعايته وعنايته، فقد توفي أبوه فأوصى به وبأخيه أحمد لأحد أصدقائه من أهل التصوف والخير، وعهد إليه أن ينفق التركة في تعليمهما.

قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى: وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس فلما حضرته الوفاة وصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له متصوّف من أهل الخير وقال له إن لي لتأسفًا عظيمًا على تعلُّم الخط وأشتهى استدراك ما فاتني في ولديَّ هذيْن فعلِّمْهما ولا عليك أن تنفذ في ذلك جميع ما أخلفه لهما.

ولو أردتَّ أن تبحث عن أسرار نبوغ الإمام الغزالي رحمه الله تعالى وفتوحه فعليك أن تبدأ بالنظر أوّلًا في حال والديه وكيفية نشأته، فقد كان والد الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يتمنى لو أنه سلك طريق العلم والمعرفة، ولكن الزمان لم يساعده فلذا عهد للوصيِّ أن ينفق عليهما جميع تركته في سبيل أن يحقق ولداه ما فاته.

قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى: ويحكى أن أباه كان فقيرًا صالحًا لا يأكل إلا من كسْب يده في عمل غزل الصّوف ويطوف على المتفقهة ويجالسهم ويتوفر على خدمتهم ويجدّ في الإحسان إليهم والنفقة بما يمكنه وأنه كان إذا سمع كلامهم بكى وتضرع وسأل الله تعالى أن يرزقه ابنًا ويجعله فقيها ويحضُر مجالس الوعظ فإذا طاب وقته بكى وسأل الله تعالى أن يرزقه ابنًا واعظًا فاستجاب الله دعوتيْه.

وهكذا فإن عناية الأب ونيته الصالحة إضافةً إلى بذله الغالي والنفيس في سبيل تعليم الأولاد وخدمة الدين تُمثِّل اللبنة الأولى للتوفيق والفتوح.

وهناك أسباب أخرى تعد من أعظم الأسباب في نبوغ الأولاد وصلاح حالهم..

  • منها أكل الحلال وتجنب الحرام.
  • ومنها خدمة الصالحين وأهل العلم.
  • ومنها حضور مجالس الصالحين والتعرض لدعواتهم.

فلما مات –والد الإمام الغزالي رحمه الله تعالى- أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فنى ذلك النزر اليسير الذي كان خلفه لهما أبوهما وتعذر على الصوفي القيام بقوتهما فقال لهما: اعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به وأصلح ما أرى لكما أن تلجأ إلى مدرسة كأنّكما من طلبة العلم فيحصل لكما قوت يعينكما على وقتكما ففعلا ذلك وكان هو السبب في سعادتهما وعلوّ درجتهما وكان الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يحكي هذا ويقول طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.

وبعد أن طلب الغزالي رحمه الله تعالى العلم في تلك البلدة، رحل رحمه الله تعالى إلى نيسابور حيث لقي هناك أحد أساطين علماء المسلمين وعباقرتهم، وهو إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى، فلازمه ملازمةً تامة، وجدّ واجتهد حتى برع في الفقه والكلام والمنطق والفلسفة والأصول وغير ذلك من العلوم والفنون، فصار إمام زمانه.

وهكذا كل من أراد أن يبرَع في علم من العلوم لا بد له من ملازمة عالم متقِن، وكذلك من أراد الوصول إلى الله سبحانه وتعالى لا بدَّ له من صحبة شيخ عارف بالله يأخذ بيده ويعرّفه بعيوب نفسه ويبصره بطرق إصلاحها، وقد قالوا: ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح. ومن هنا نرى الإمام الغزالي رحمه الله تعالى بعد أن ارتقى ذروة المجد العلمي في زمانه، وبلغ من الجاه والشهرة والمكانة ما لم يبلغه أحد من أقرانه، أخذت نفسه في العزوف عن الدنيا وحطامها، فرحل إلى الحج واعتزل كل ما كان فيه ولزم الخلوة والخفاء بدمشق الشام، عاكفًا على إصلاح نفسه وتصفيتها وتحليتها، ورحل بعدها في سبيل تلك الغاية في البلدان فلزم الذكر وصحب الأولياء الصالحين، ثم أسفرت هذه الرحلة الروحية عن كتاب من أعظم الكتب وأنفعها وهو كتاب إحياء علوم الدين، الذي غدا عمدة للسالكين ومنهلا للعلماء العاملين.

وبعد أن تمم الله مسعاه، رجع إلى بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وتكلم على لسان أهل الحقيقة وحدّث بكتاب الإحياء، ثم رجع إلى مدينة طوس واتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفية ووزع أوقاته على وظائف من ختم القرآن ومجالسة أرباب القلوب والتدريس لطلبة العلم وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى في الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة 505 هـ.

للاطلاع على مثل هذه المقالات المفيدة ليس عليك إلا زيارة هذا الموقع
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية