ازرعْ بذوراً تتوقّع خروجها | الشيخ محمد عمران العطاري


نشرت: يوم الثلاثاء،13-سبتمبر-2022

ازرعْ بذوراً تتوقّع خروجها

عادة الكلّ يتوقَّعون شيئًا من شخص آخر، مثلاً الآباء يتوقَّعون من الأولاد، والأولادُ من الآباء، والإخوة والأخوات يتوقَّع بعضهم من بعض، والزوجُ يتوقَّع من الزوجة والزوجة تتوقع من الزوج، المدير يتوقَّع من الموظف، والموظف يتوقَّع من المدير، الأستاذ من التلميذ، والتلميذ من الأستاذ، الشيخ من المريد والمريد من الشيخ، الرئيس من المرؤوس والمرؤوس من الرئيس وإن كان نوع التوقعات ونطاقها لهؤلاء الجميع يختلف من واحد لآخر، لذلك من الأفضل أن يكون الأملُ بالآخر مُتوافقاً مع الطبيعة والظروف المحيطة بالمرء وأن لا يخالفَ مقاصد الشريعة الإسلامية، إحدى نقاط ضعفِنا التي قد تكون عائقاً أمام تطلعاتنا هي أن سلوكَنا قد لا يتوافق مع آمالنا تجاه الآخرين، فيكون عقبة لتحقيق هذا الأمل، وبتعبير آخر يمكن أن نقول: إنَّ رياح سُلوكنا قد تُشَكِّل تهديدًا لأوراق شجرة الآمال وأزهارها، فإنَّ قوةَ الرياح تهزُّ الأشجارَ وتجعلُ أوراقَ الأمل وأزهارَها تتساقط على الأرض وتُداسُ بالأقدام، وعلى سبيل المثال:

1- لا يُؤدي الأولادُ مهمةَ الإحسانِ إلى الآباءِ بالخدمة والطاعة ولكنهم يتوقَّعون في نفس الوقت من أولادهم البر والإحسان.

2- الآباءُ لا يُربُّون أولادَهم على طاعةِ الله تعالى ويَتوقَّعون منهم طاعةَ أنفسهم وأن يكونوا سندًا لهم في شيخوختهم، والآباءُ مثلاً يشتمون ويكذبون ويغتابون الآخرين، ويتركون الصلوات، ويقومون بأعمالٍ تخدش في الحياء أمام أولادهم، ويتوقَّعون منهم أن يكونوا مُتمسكين بالشريعة ومهذَّبين في المجتمع على الأخلاق الحسنة.

3- يَحرُم الزوجُ الزوجةَ من حقوقها، ولا يقوم بأداءِ الواجبات التي تفرِضها الشريعةُ الإسلاميةُ عليه ثم يتوقَّع من زوجته حقوقه.

4- الموظّف لا يؤدي مَهامَّه كما هي مطلوبة منه، ويَغيبُ عن دوام العمل باستمرار ويَعتاد على الوصولِ إلى المكتب متأخرًا ثم يتوقَّع من مديره الشفقةَ والأجرةَ الكاملة.

5- التلميذُ لا يجتهد في أداء واجباته الدراسية ولا يُراجع دروسَه، ويتأخَّر في الوصول إلى المدرسة، ويُسيء الأدبَ مع الأستاذ والكتب ثم يتوقَّع الوصولَ للدرجة المرتفعة أو المنصب العالي في حياته.

6- المريدُ لا يهتمُّ بإرشاداتِ الشيخ، ويُقصِّر في أداء حقوقه ظاهرًا وباطنًا ثم يتوقَّع الحصولَ على الفيض من الشيخ.

7- لا يشاركُ المرءُ في أفراح الناس وهمومهم ويتوقَّع منهم اللطفَ والمواساة والمساعدة.

8- يرتكب الإنسانُ الْمَعاصِيَ ويُصبح عبدًا لهوى النفس بدلاً عن عبودية لخالقه سبحانه وتعالى ويتوقَّع من الله تعالى كرمَه وفضلَه.

ولذلك قال سيدنا الرسول الأكرم ﷺ:

الكَيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنّى على الله

قال المفتي أحمد يار خان النعيمي رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث:

حقيقةُ الأمل أن يعملَ الإنسانُ الصالحات ويتطلَّع إلى فضل الله تعالى، توقُّع الخير بارتكاب المعصية خدعة وليس أملاً

فلتكن الآمال متوافقةً مع الظروف وطبيعة العمل..

ومن عيوب المجتمع في صدد الآمال أنها قد لا تتوافقُ مع الظروف وطبيعة العمل، فتنجُم عنها مشكلتان:

* الشخص الذي يُتوقَّع منه يَقع في الحرج والمشكلةِ فيما يتعلّق بتحقيق ذلك الأمل.

* في حالِ عدم تحقيق الأمل يُصيب المتوقِّع نفسَه بالقلق والإحباط، فعلى سبيل المثال:

- توقُّع الآباء أن يحصل أطفالُهم على علامة 100٪ في الامتحانات أو يحصّلوا المركز الأول.

- الطفلُ الذي يريد أن يُصبح مهندسًا يُوضع في مجال الطب، ثم يتوقَّع منه أهله أن يكون طبيباً.

- أن يكون راتبَ الزوج 4000 ريالٍ في الشهر مثلاً، وبعد قضاء الحاجيات المنزلية وتسديد فواتير الغاز والكهرباء ومصاريف النقل يوفّر 500 ريال مثلاً، وفي هذه الحالة تتطلَّع زوجته لتحقيق رغباتها أكثر مما يملك، فهي تريد ادخارَ بعض المبلغ شهريًا، أو تناولَ الطعام خارج البيت أسبوعيًا، أو شراء الملابس الجديدة في كل مناسبة عائلية كحفلة الزواج.

- يَدفعُ المديرُ إلى الموظف 4000 ريالٍ كأجرة شهرية ويتوقَّع منه عملَ 10000 آلاف.

أيها الإخوة! كما لا يمكن أن تُعبِّئ البنزين في السيارة بما يكفي لـ 10 كيلومترات وتتوقع منها أن تسير 20 كيلومتراً، كذلك ليس من الحكمة أن تتوقَّع من الشخص أكثر من استطاعته وظروفه، ولذلك التحكُّم في المصروف والاقتصاد أفضل من زيادة التوقعات،

كما رُوي عن بعضهم قال: رأيت زرارة بن أبي أوفي رحمه الله بعد موته في المنام، فقلت: أي الأعمال أبلغ عندكم؟ قال: التوكل وقصر الأمل

فلتُعلَّق الآمالُ بالله تعالى:

1- من يُنفق في سبيل الله تعالى فليَأمل الأجرَ من ربه تعالى بدلاً من تَوقُّع كلمات الثناء والإعجاب من الآخرين.

2- ينبغي على المريض أن يرجو ويتوقّع الشفاءَ من الله تعالى بعد تناولِ الدواء.

3- مع إقفال المحل التجاري والسيارة والمنزل واتخاذ الإجراءات الأمنية الأخرى، يجب أن يأمل الإنسانُ الأمن ويتوقّع السلامة من ربه تعالى بفضله جلّ وعلا.

4- يأخذ المرء جميعَ أسباب تربية الأولاد، ليكونوا صالحين ولكنه يأملُ من الله تعالى أن يكونوا كذلك.

5- يرجو العبد الخلاصَ من عذاب القبر والحشر بالله تعالى رغم قيامه بالأعمال الصالحة وعدم اعتماده عليها.

أكبر فائدة للأمل بالله تعالى:

رُوي عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه تعالى:

يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولاأبالي

كيفيةُ الرجاء والخوف من الله تعالى:

المثل الأعلى لكيفية الرجاء والخوف من الله تعالى ما روي عن مطرّف رحمه الله تعالى أنه قال:

قال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: "لو نادى مناد من السماء أنه لن يلج الجنة إلا رجل واحد لرجوت أن أكون أنا هو، ولو نادى مناد من السماء أنه لا يدخل النار إلا رجل واحد لخفت أن أكون أنا هو"،

قال سيدنا مطرّف رحمه الله تعالى: هذا واللهِ أعظم الخوف، وأعظم الرجاء

أطلبُ من الإخوةِ في الله تعالى: إذا كنتم تريدون الخروجَ من الحزن والقلق فعليكم بمراجعة آمالِكم بالله تعالى، وحاولوا تغييرَ توقعاتكم حسبَ الظروف، بالإضافة إلى ذلك ركِّزوا على تخفيضِ آمالكم الدنيوية، وفوضوا فيها الشأن إلى الله سبحانه وتعالى، اللهم ارزقنا التوفيق للعمل والثبات، آمين بجاه النبي الأمين ﷺ.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية