مدونات مختارة
الأكثر شهرة
شبابنا والعمل التطوعي | عبد الله المدني
الإنسان بطبيعته لا يستطيع العيش بمفرده؛ بل يحتاج إلى أن يكون ضمن مجتمع، ومع مجموعة من الناس، سواء في منزله أو عمله أو مكان دراسته؛ لأن الحياة الاجتماعية هي من سمات الطبيعة البشرية، فالفطرة السليمة تدعو المرء دائمًا إلى فعل الخير وترك الشر، ومن أبواب الخير المهمة "الأعمال التطوّعية" التي تساهم في تكوين صورة إيجابية عن المجتمع وتنميته وتطوره وازدهاره، والتي تعتبر من أهمّ المظاهر الاجتماعية السليمة، فهي سلوك حضاريّ اجتماعيّ، يلعب دورًا هامًّا في تعزيز قيم التكاتف والتعاون ونشر الرفاهة بين أفراد المجتمع، وفي هذا اليوم تُقام احتفالات عالمية بـ"اليوم العالمي للتطوع".
وبعد قراءة هذه الكلمات التمهيدية، ربما تكون قد اتضحت لشبابنا أهمية "العمل التطوّعي"، والهدف في سياق هذه الكلمات البسيطة هو تشجيع الشباب على العمل التطوعي؛ لأنهم عماد الأمة وأبطالها، وبُناة التقدّم والحضارة، والأمل الكبير في تكوين المستقبل المشرق، وهم القوة البشرية والروحية لمجتمع الإسلام القويّ الذي أشرق شعاع حضارته وثقافته وأخلاقه على العالم بأسره.
ولذلك -أخي الشاب- تعال معي أولاً لنعرف: ما هو "العمل التطوعي"؟
العمل التطوّعي:
هو الجهد الذي يبذُلُه الشخص من أجل العمل على تحقيق الخير في شتّى المجتمعات عمومًا، وفي مجتمعه الإنسانيّ خصوصًا، دون مقابل مادّي، سواءٌ كانت الجهود مادية أو معنوية، ويطلق على هذا العمل مسمّى "العمل التطوّعي" (Volunteer work) ومعنى هذا المسمّى: ما يقوم به الإنسان طواعيةً بإرادته الداخلية دون إجبار من الآخرين، وهذا العمل يُسهِم بشكل إيجابيّ في تنمية المجتمع وازدهاره، فكلما زاد عدد العناصر الإيجابية والبناءة في المجتمع زاد نموُّ المجتمع وتطوُّره.
أهداف العمل التطوعي:
هناك العديد من الأهداف التي يمكن العمل عليها من خلال العمل التطوعي، والتي قد تساعد سكّان المجتمع على تفعيل ثقافة التطوّع بينهم بشكل دائم:
1- زيادة المهارات الشخصية وتنمية القدرات العقلية.
2- تحقيق أهداف عامة وخاصة.
3- استثمار وقت الفراغ في خيريّة الأمة.
4- كسب الأجر والثواب بنفع عباد الله تعالى.
5- تنمية الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على إحداث تغيير.
فوائد ومميّزات العمل التطوعي:
تصعب على الكثير من الناس المشاركة في الأعمال التطوّعية، وذلك بسبب ازدحامِ حياتهم الشخصية، ولو يعلم الناس ما في العمل التطوعيّ من فوائد ومميّزات عظيمة؛ تعود بالنفع عليهم وعلى قدراتهم وحياتهم المهنية والوظيفية وعلى المجتمع من حولهم؛ لَما وسعهم إلا أن يفردوا للعمل التطوعي جزءًا من أوقاتهم، ومن تلك الفوائد والمميزات:
1. نماء المعرفة والثقافة.
2. تقدير الذات وزيادة الثقة بالنفس.
3. زيادة الحيوية والنشاط والحفاظ على الصحة البدنية.
4. اكتساب مهارات جديدة، كـ"مهارة التسويق والتنظيم".
5. تطوير مواهب جديدة وزيادة الخيارات الوظيفية.
6. توفير خبرات عمل إضافية.
7. تمكين العمل ضمن مجموعة.
8. تحسين المزاج والشعور بالفرح والإنجاز.
9. فرصة تكوين علاقات وروابط جديدة.
10. تقوية العلاقات، والتواصل الفعّال بين أفراد المجتمع.
أشكال العمل التطوعي:
يُوجَد العديد من أشكال الأعمال والأنشطة التطوعية التي يمكن تطبيقها في المجتمعات كافةً، والتي تُسهِم في تحقيق الفوائد للمجتمع ونشر روح المحبة والتعاون بين أفراده، ومن أهم هذه الأشكال:
• التطوّع الإلكتروني: وهو القيام بتنفيذ بعض الأنشطة الاجتماعية عبر الإنترنت، مما يُساعد في مدّ يد العون لشرائح مختلفة من الناس من أنحاء العالم دون التقيّد بحدود الدولة أو المجتمع الذي يعيش فيه المتطوّع.
• التطوّع الشامل: وهو تفرّغ بعض الأشخاص بشكل كامل، مما يساعدهم على الانخراط في الأنشطة التطوعية والخيرية، ويستحوذ هذا التطوع على أيام الأسبوع (7) كاملةً، لذلك يسمى بـ"التطوع الشامل".
• التطوّع قصير الأجل: وهو القيام بـ"العمل التطوعيّ" في فترات مختلفة أو أوقات محدّدة من الأسبوع، دون الالتزام بهذا الفعل على مدار أيام الأسبوع كلّها.
• التطوّع بالمنظمات والمؤسّسات: وهو التطوّع في إحدى منظمات ومؤسسات الخدمة الاجتماعية؛ من أجل القيام ببعض الأنشطة الإغاثية والتعليمية والرفاهية وغيرها..
• التطوّع في البلدان النامية: وهو قيام بعض الأفراد بالتطوع في الدول المنهارة التي تُعاني من الفقر الشديد، ويكون
هدفهم إغاثة الفقراء والمحتاجين، وعلاج المرضى والمصابين، والمساهمة في تعليم سكّان تلك البلدان وغير ذلك..
• تطوّع تنمية المهارات: وهو تطوع بعض الأفراد ذوي المواهب والتخصّصات المختلفة بتدريب الأشخاص الآخرين المهتمّين بنفس المجالات، وذلك من أجل تمكينهم ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم والنجاح في حياتهم.
• التطوّع البيئي: هو قيام بعض الأشخاص المتطوّعين بمشاريع هادفة وحَمَلات شاملة من أجل الحفاظ على البيئة وإدارة شؤونها، وذلك بتنظيف القرى والمدن، وتزيين الشوارع والطرقات، والحفاظ على المظهر الإسلاميّ الحضاريّ.
• تطوّع حالات الطوارئ: وذلك من خلال إنعاشِ الجهود بعد حدوثِ الكوارث الطبيعية، مثلَ الزلازل والفيضانات والبراكين والأعاصير والجفاف، وانهيار المباني وغيرها، حيثُ يُبادر بعض الأشخاص إلى جمع التبرعات لإغاثة المتضررّين، ومساعدة المصابين، بإيصالهم إلى المراكز الطبية لإنقاذ حياتهم، ودعم الأسر التي تصبح بلا مأوى ومساعدتهم في الحصول على منازل أخرى، وغيرها من أوجه المساعدة الأخرى.
أعمال تطوّعية مصحوبة بالصدقة الجارية:
أخي القارئ! أوضحتُ لك في الأعلى بعضَ أنواع العمل التطوعيً، والآن أودّ أن ألفت انتباهَك إلى بعض الأمور التي تنطوي على أعمالٍ تطوعية وتُعتبرُ من الصدقات الجارية أيضًا، ويمكنك تسميتها بـ"التطوع العلمي" أو "التطوع الدعوي".
فالتطوّع العلمي: هو أن تخصّص جزءًا من وقتك للعمل الميداني بين عامّة الناس، حيثُ تقوم فيها بتثقيف الناس وتعليمهم أمورَ دينهم أو قراءةَ القرآن الكريم أو أحكامَ الطهارة والصلاة وغيرَها من العبادات، أو بكتابة محتوياتٍ تعليمية وتوجيهية، أو كتابة قصص وروايات تربوية وتحفيزية لإحدى الجمعيات الخيرية والدعوية.
أما التطوع الدعوي: فهو أن تحدِّد بعض الأيام شهريًّا للعمل الدّعوي، مثلاً أن تحدّد ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر وتسافرَ فيها إلى أحياءٍ بعيدةٍ أو إلى مناطق البادية حولَ المدينةِ لأجل تعليمِ سكّانها أمورَ الدين والأخلاقَ الإسلاميةَ وغيرها، أو أن تقوم في تلك الأيام بعَقْدِ دوراتٍ مكثّفةٍ في العلوم الدينية المتنوعة، لشرائح مختلفة من الناس، وكلّ ذلك يُعدّ من التطوّع العلمي والدّعوي حسبَ مستوى علمِك ومعرفتِك.
وهذه المجالاتُ الدعويةُ كلّها متوفرةٌ -بحمد الله تعالى- في "مركز الدعوة الإسلامية" الذي يعملُ في مثل هذه الميادين وفي غيرها على نطاقٍ واسع وبشكلٍ مُنظّم للغاية، فلقد أنشأ بعضَ المدارسِ التي تُعلِّمُ القرآنَ الكريم للصِّغار والكبار كــ "مدارس المدينة"، وأنشأ معاهدَ دينيةً مسماةً بـ"جامعات المدينة للعلوم الشرعية" وأفردَ قسمًا للدورات الشرعية والتربوية، وقسمًا للتواصل الاجتماعي الدعوي، وقسمًا للرَّحلات الدعوية، والهدف من كلِّ ذلك هو نشرُ رسالة الإسلامِ في جميع أنحاء العالم، ومن أبرزِ أقسامِ المركز قسمُ "مؤسسة فيضان العالمية للإغاثة الإنسانية (FGRF)" حيثُ تعنى هذه المؤسسة بالأعمال التطوّعية على وجه التحديد، ويتمّ من خلال هذا القسم تنفيذُ عددٍ من الأنشطة التطوعية، بما في ذلك:
- مساعدة المتضررّين من الكوارث والنوازل الطبيعية.
- تقديم المرافق الصحية للمرضى عبر العيادات والمراكز الطبية.
- توزيع المواد الغذائية للأُسَر الفقيرة والمحتاجة.
- رعاية الأطفال الأيتام والمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة.
- غرس الأشجار في المناطق المختلفة لمنع التلوّث البيئي.
رسالة مناشدة إلى شباب الأمة:
أيُّها الشاب الغالي! إذا تأملتَ في أهمية مرحلة الشباب؛ فستعرف ما لها من قيمة عظيمة، وستدرك مدى أهميتها وضمانها للتقدّم والنجاح، فإنّ الأُمَم لا تنهض إلا على أكتاف شبابِها المخلصين الملتزمين الصادقين، فالإسلامُ ما كان لينهض لولا أن هيأ الله عز وجل بعضَ الصحابة الشبانِ الذين قاموا بأعمالٍ عظيمةٍ وتحمّلوا مسؤولياتٍ كبيرة، ومن هؤلاء الشبان الذين قام الإسلام بهم، ونهض على أكتافهم:
- سيدنا مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه الشابُّ الذي كان أعظم أهلِ مكةَ شبابًا وجمالاً، أسلم في الخامسة والعشرين تقريبًا، وكان أولَ سفير في الإسلام، فقد أرسله النبي ﷺ بعدَ العقبة الأولى إلى المدينة المنورة ليفقهَ أهلها ويعلِّمَهم القرآن، ويصلّيَ بهم، ولم يمضِ عامٌ على وجوده في المدينة حتى دخل الإسلامُ إلى كل بيت من بيوت المدينة المنورة بفضل جهود هذا الشابّ العظيم.
- وسيدنا زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه الذي تعلّم لغة اليهود في خمسة عشر يومًا فقط، وذلك تلبيةً لأمر النبي ﷺ، وكان سيدنا زيد رضي الله تعالى عنه الموكَّلَ بجمع القرآن الكريم على عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فأنجز هذه المهمة العظيمة بأقصى درجات الاجتهاد والصدق والإخلاص.
- وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، كان يحمل العلم ويجتهد في جمعه اجتهادًا عظيمًا، ولم يمضِ طويلُ وقتٍ حتى جمع علمًا غزيرًا، فلُقِّبَ بين الصحابة بــ "حبر الأمة وترجمان القران".
- وسيدنا عتّاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه، كان عمره اثنتين وعشرين سنةً عندما خلّفه النبيّ ﷺ واليًا على مكة يوم حُنينٍ، بل وقال ﷺ له:
"لو أعلمُ لهم خيرًا منك استعملته عليهم"
- وسيدنا أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه،
كان ابن ثمانية عشر ربيعًا يومَ جعله النبي ﷺ قائدَ الجيشِ في غزو الروم، وكان في الجيش كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كـ"أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما"، وقال ﷺ عنه: "أيْمُ الله! إن كان لَخليقًا للإمارة"
ولو بحثتَ في التاريخ لوجدتَ الكثير من الأمثلة التي تدلُّ على دور الشباب العظيم في نهضة الأمة وتقدّمها ورقيّها.
همسة في أذن كل شاب
أيها الشباب! أنتم لبّ الأمة وأصلها، الآمالُ معقودةٌ عليكم، والعيونُ ناظرةٌ إليكم، فاستغلوا شبابكم في خدمة دينكم ومجتمعكم ووطنكم، فالأمةُ اليومَ تحتاجُ إلى شباب ذوي همة وكفاءة عالية، فاغتنموا مرحلة شبابكم، ولا تدَعُوا لحظاتِها الثمينةَ تضيع عبثًا دونَ فائدة، يقول سيدنا مالك بن دينار رضي الله تعالى عنه: "إنما الخير في الشباب" لأن الشابّ إذا أحسن اغتنام هذه المرحلة المهمة من الحياة؛ حصّل خيرًا عظيمًا ونال خيريّة هذه المرحلة وبركتَها، فاستثمروا أوقات فراغكم فيما يُفيدكم ويُفيد أمتكم في المستقبل، وأفضل استغلال للوقت هو الانشغال بالأعمال التطوعية، وهي أيضا فرصةٌ عظيمة لتخدموا أمتكم ومجتمعكم بتقديم ما تستطيعون من الرعاية الاجتماعية، ولتطوير مهاراتكم وإتقانها بشكل أفضل للمستقبل.
حاولوا! أينما كنتم أن تساهموا في نشر ثقافة العمل التطوعي، ورفع كفاءة المتطوعين ومهارتهم، والسبيل إلى ذلك هو الانخراط في الأنشطة التطوعية، وإن كانت مراكزُ أو فروعُ "مركز الدعوة الإسلامية" قريبةً منكم؛ فيمكنكم الالتحاق بها والعمل تحت مظلّتها، لتسهِّلَ لكم وسائل الأعمال التطوعية، ولتمكّنكم من تأدية دوركم المهم في تغيير المجتمع وتنميته وسلامته، ولتعينكم على التكافل والتماسك الاجتماعي، فقد قال رسول الله ﷺ:
"أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس"
نسألُ الله عزّ وجلّ أن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم، وأن يوفقَنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعينَنا على بذل جهودنا وطاقاتنا في طاعته ومرضاته، إنه وليّ ذلك والقادرُ عليه.
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
تعليقات