مدونات مختارة
الأكثر شهرة
موقف المؤمن عند المصائب | الشيخ عادل ديري
لا يخفى على أحدٍ ما يحلّ بهذه الأمة من مصائب، وهذه المصائب ليست خاصّةً بأحدٍ دون أحد، فعندما تأتي المصائب تكون عامّةً، فتشمل المسلمَ والكافر، والمؤمنَ والمنافق، والطائعَ والعاصيَ، والتقيّ والفاجر، والكبيرَ والصغير، والسؤال هو: ما موقف الإنسان العاقل صاحب الإيمان الراسخ في أوقات المصائب؟
والجواب: الإيمان: الإيمان بالقدر خيرِهِ وشرِّهِ، ذلك الإيمان الذي جعله الله جل وعلا ركنًا من أركانِ الإيمان، فالإيمان يُورِث في القلب رضًا وطمأنينة بكلّ ما قدّره الله وقضاه، وإذا ترسّخت هذه العقيدة في قلب المؤمن أدرك العبد أنّه مُلكٌ لله تعالى، فيرضى العبدُ بكلِّ ما قدّره الله وقضاه، والإيمان بالقدر هو الفارقُ بين المؤمن وغيره عند المصائب، وذلك أنّ المؤمن يتلقّى قضاء الله وقدرَهُ بنفسٍ راضيةٍ مطمئنةٍ؛ لأنّهُ يعلم أنّ القضاء هو أمرٌ مبرمٌ ومحكمٌ، وأنّ لله عز وجل فيه حكمة،فأفعالُهُ لا تخلو من الحكمة، وقد قال الله تعالى في حق المؤمنين:
رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ
ومن سخط أقدار الله سبحانه وتعالى فقد باءَ بالسّخطِ من الله تعالى وكفى بذلك عقوبةً، قال تعالى
ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٢٨
وقد كان النبي ﷺ يُكثرُ من دعائه:
أسألك الرّضا بالقضاء
وقد ورد عن سيدنا أبي سلاّمٍ خادم النبيّ ﷺ أنّ رسول الله ﷺ قال:
ما من مسلمٍ أو إنسانٍ أو عبدٍ يقول حين يُمْسِي وحين يُصْبِح: رضيتُ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمّدٍ نبيًّا، إلاّ كان حقًّا على الله أن يُرضِيَه يوم القيامة
فمعنى قولِهِ ﷺ: "رضيت بالله ربًّا" أي: رضيت بما قدّره الله عليّ، ورضيتُ بهِ ربًّا معبودًا متصرِّفًا بخلقه كيفَ يشاء.
تلذّ لي الآلامُ إذْ أنت مُسقِمي***** وإن تمتحِنِّي فهي عندي صنائع
فلا بدّ للإنسان المسلم أن يعلم حِكمةَ الله تعالى في ابتلائه لخلقه، وأن يعلم أنّ الابتلاءات والمصائب هي سنّة الله تعالى في هذا الكون، والله تعالى يبتلي عبادَه ليختبر صبرهم وإيمانهم، ويرفع لهم درجاتِهم، ويكفر عنهم سيئاتهم.
ونعم الله تعالى كثيرةٌ في هذا الكون، وكلّها نِعَمٌ تستحقُّ الشكر، كما أنّ ابتلاءاته سبحانه كثيرةٌ وكلّها تستوجب الصبر، فشكر النعمة من فضل الله، والصبر على المصيبة بالاستعانةِ بالله تعالى، قال تعالى:
ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦
وبهذا يكون المؤمن شاكرًا لله حتى في المصيبة، فالمصائب والابتلاءات من السنن الكونية الّتي خلقها الله عز وجل ليختبر بها عباده.
* الحكمة من الابتلاء:
1: تكفير الذنوب: قال ﷺ:
كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون
فعندما ينزلُ البلاء بالمؤمن يذكره بعظمة الله سبحانه وتعالى، ويذكره بضعف إنسانيته وبشريته، فيستغفرُ اللهَ ويُقبل عليه، وقد قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:
ما يزال البلاءُ بالمؤمنِ في دينِهِ ونفسِهِ ومالِهِ حتّى يلقى اللهَ وما عليه خطيئةٌ
فالابتلاء يُطهِّر الإنسان ويذهب عنه خطاياه وذنوبَه.
2: حصول الأجر ورفعة الدرجات: روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبيِّ ﷺ أنّه قال:
ما يُصيب المؤمنَ من شَوْكَةٍ فما فوقها إلاّ رفعه الله بها درجة، أو حطّ عنه بها خطيئة
فالابتلاءات والمصائب تزيد الأجر وتذهب المعاصي والذنوب فتُرجعُ الإنسانَ طاهرًا، وينتقل من الدنيا بصحيفةٍ بيضاء.
3: التذكير بنعم الله تعالى: وذلك أنّ الابتلاء قد يكون بمثابة التذكير بالنعم المحيطة بالإنسان، وذلك إذا ألف الإنسان نعم الله تعالى عليه، وصارت لديه أمرًا طبيعيًا، فالذي ولد مبصرًا لا يستشعر نعمة البصر كفاقدِها، وأوضح مثالٍ على ذلك، ما عاينّاهُ مؤخَّرًا من اضطرابِ الأرض، فمن منّا كان يستشعر نعمة استقرار الأرض العظيمة؟ لذلك ابتلانا الله بالزلزال لنستشعر هذه النعمة البسيطة التي ما كانت لتخطرَ في البال.
4: مراجعة الإنسان نفسه ليصلح عيوبَه: إن الابتلاءات والمصائب والمحن الّتي تصيب العبدَ المؤمن هي فرصةٌ ليصلحَ العبد ما بينه وبين الله ويتوب إليه ويقبل عليه، فالله يحبّ التوّابين المقبلين عليه.
5: تذكير العباد بضعفهم: إذا نزلت الابتلاءات والمحن بالعبد ووقف عاجزًا أمامَها، تذكّر أنّه ضعيفٌ محتاجٌ إلى الله، لا يملك لنفسه الضعيفة ضرًّا ولا نفعًا، وعندها يسقط العُجْب والغرور من نفسه، ويقبل على الله بضعفه وعجزه.
6: ظهور حقائق الناس ومعادنهم: "الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاءٌ صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه" فعند الابتلاء يظهر الإيمان على حقيقته عند العباد.
7: التذكير بفناء الدنيا: عندما ينزل الابتلاء ويخسر الناس أرواحَهم وأموالَهم وممتلكاتِهم، يتصبّر العبد بفناء هذه الدنيا، وأنها صائرةٌ إلى الزوال لا محالة، فيبغضها في قلبه ويعمل مخلصًا لبناءِ آخرته.
* تحذيرٌ من إطلاق الأحكام اعتباطًا ودونَ نظر!
إذا نزل بالأمة مُصابٌ أو ابتلاءٌ نرى بعض الناس يطلقون الأحكامَ الاعتباطية، ويفسرون المصيبة والابتلاء دون علم، فمنهم من يفسره انتقامًا من الله وعذابًا، ومنهم من يرجعُ سببَ الابتلاء إلى فجور الناس وفسقهم، وما إلى ذلك، ونحن لا نخطِّئُ هذا الكلام، لكنَّنا أيضًا لا نجعله صحيحًا مطلقًا، فهو يتنافى مع منهج جبر الخواطر الّذي حثّنا عليه ديننا الحنيف، فالمسلم يجب عليه أن يجبر خاطرَ أخيه المنكسرَ الذي ابتلاه الله، وأن يخفف عليه مصابه بالكلام الطيب، إذ كيف يجتمع عقاب الله مع شهادة التوحيد؟ وكيف نتهم مصيبة العبد المؤمن بالعقوبة؟ فالعباد المؤمنون لا تكون مصائبهم إلا ابتلاءً من الله ورحمةً وثوابًا، أما العقوبة فإنها تكون في حقِّ الكافرينَ انتقامًا منهم وعذابًا لهم، فالمصائبُ والنوازل هي عقوبةٌ للعاصين، وابتلاءٌ للصالحين، وعِبرةٌ للناجين.
* ما يجب على المسلم عمله في المصائب والنوازل:
يجب على العبد المسلم إذا ما رأى المصائب والابتلاءات والنوازل كالزلازل والخسف والكسوف والخسوف وغيرها؛
أن يُسرعَ إلى التوبة إلى الله سبحانه وتعالى والاستقامة على دينه، والابتعاد عما حذّر الله تعالى منه ونهى عنه، وأن يسأل الله السّلامة في الدنيا والآخرة، وأن يسأل الله العافية مما ابتلى به غيره من العباد، وأن يكثر من الصدقات على الفقراء والمساكين والمصابين، لعلّ الله يعافيه ويغفرُ لهُ بحُسنِ صنيعِهِ مع عبادِهِ، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد للهِ ربِّ العالمين.
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
تعليقات