مسؤوليات المسلم (الجزء الثاني) | عادل ديري


نشرت: يوم الثلاثاء،07-نوفمبر-2023

مسؤوليات المسلم (الجزء الثاني)

بعد أن تعرفنا في المقال السابق على مسؤولية العبد تجاه ربه ونبيه، سنتعرف في هذا المقال على مسؤولية العبد تجاه ما أمره به ربّه وجاء به نبيه، أي: مسؤوليَّته أمام دينه.

مسؤوليَّة المسلم أمام دينه:

الله تعالى خلق الإنسان في هذه الحياة وكلَّفه بمهمَّات ووظائف، ومن تلك المهمات والوظائف مسؤوليّته تجاه دينه، ولا تتحقق تلك المسؤولية إلّا إذا كان هذا العبد قد سلَّم زمام أموره إلى خالقه وانقاد له وأطاعه، وكل ذلك إخلاصًا لله ومحبةً له وتعظيمًا له، ويكون ذلك في كل صلاة وزكاة وحجّ، وبرّ بالوالدين، وصلة للرَّحم، وجهاد في سبيل الله بالنّفس والمال، وصدقٍ في الحديث وغير هذا، بالإضافة إلى ترك كلِّ ما حرَّم الله تعالى.

والمسلم يستطيع أن يخدم دينه بمجالات عدَّة، فالله تعالى منح كل إنسانٍ طاقاتٍ ومواهب وقدراتٍ يمضي بها في حياته، وإنّ ما يميِّز المسلم الحقّ أنَّه لا يكتفي بالعبادات الظّاهرة وأداء الفرائض وحسب؛ بل يبحث عن أساليب ووسائل ينصر بها دينه، ويرفعه نحو العَلْياء يومًا بعد يوم، فإنّه ينظر في قدراته وإمكاناته الّتي منحه الله تعالى إيّاها فيُسخِّرها في خدمة دينه، ونصرة قرآنه، فإنّ أنبياء الله كانوا قدوةً للمسلمين في كيفيّة استخدام الطّاقات والمواهب لخدمة الدّين وإعلاء كلمته، فنبيُّ الله سيدنا داود عليه الصّلاة والسّلام لـمّا أعطاه الله تعالى القدرة على تليين الحديد؛ استعملها في صناعة الأسلحة والدُّروع، وتصميم الملابس الـمُعدَّة للحروب رغبةً منه في الجهاد في سبيل الله.

أمّا نبي الله سيدنا سليمان عليه الصّلاة والسّلام فسخّر قدرته بالتحدُّث إلى الطُّيور بإرسال الهدهد إلى الأقوام مِن حَوْله يدعوهم إلى التّوحيد والإيمان بالله تعالى، ولـمّا سُخِّرت له العفاريت والجنُّ أمرهم أن يصنعوا له صرحًا ممرَّدًا من قوارير بَهَرَت أعين ملكة الكفر حتَّى أسلمت مع سيدنا سليمان عليه السلام لله تعالى.

أمّا ما ذكر الله عن ذي القرنين الرّجل الّذي سخّر قدراته العظيمة في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، فقد مكَّنه الله تعالى من التجوال عبر القارَّات، حتّى بلغ مغارب الأرض ومشارقها وهو يدعو النّاس إلى الإيمان بالله تعالى.

إنّ دعوة النّاس إلى الله تعالى هي من أعظم المسؤوليّات وهي أجلّ خدمةٍ يقوم بها المسلم تجاه دينه، فالله تعالى يقول:

وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٣ [فصلت: 33].

ويحصل هذا بنشر المسلم أيَّ عملٍ صالحٍ بين النّاس يذكِّرهم فيه بالله، أو يعرِّفهم به، وقد يكون ذلك عن طريق نشره في صحيفةٍ أو مجلةٍ، أو بين طلاَّب المدارس والجامعات أو غير ذلك، وقد تكون الدّعوة بتعريف النّاس فضائل الدّين وعظمته، وترسيخ فضله في نفوسهم، والذبِّ عنه من أيَّ شبهةٍ قد تقع بينهم أو تظهر في حديثهم، فيُزيل الرَّيب والشكَّ من نفوسهم تجاه تلك الشُّبهة، وهذه من أعظم المسؤوليّات الّتي يقوم بها المسلم تجاه دينه.

ونشر العلم النّافع بين النّاس وتعليمهم أمور دينهم وبناء المساجد والمراكز الإسلامية كلُّه من وظائف ومسؤوليّات المسلم تجاه دينه، وإنّ مركز الدّعوة الإسلاميّة متمثِّلاً بمشايخه وعلمائه جزاهم الله عنّا وعن الأمّة كل خير يقدمّ كلَّ جهده في تحقيق هذه المسؤوليّة على الوجه المطلوب، نسأل الله أن يعينهم وينصرهم؛ إنّه سميعٌ قريبٌ.

مسؤولية المسلم تجاه نفسه:

ومن مسؤوليات المسلم التي يجب أن يعتني بها هي مسؤوليته تجاه نفسه فإن الإسلام قد حافظ على النفس البشرية وأعلى من شأنها، فالنفس محترمة لذاتها، والحكمة من ذلك أن الله تعالى هو الذي خلقها، وقد أكّد تعالى علوّ شأنها في كتابه الكريم فقال عزّ وجّل:

وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ [الشمس: 7].

فالله تعالى أقسم بالنفس ليحُثَّ على تهذيبها وتزكيتها وعدم إهمالها، وكان كذلك حفظ النفس من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فمن أجل ذلك كان على الإنسان أن يرعى نفسه بما حدده الشرع الحكيم له من الطعام الحلال والكسب الحلال والبيع الحلال، وحرم عليه أن يطعمها من الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر وأكل الربا، وما هذا كله إلا من صيانة النفس لتكون خالصة لله، مطيعة لله، عابدة لله.

وقد أوجب الله تعالى على الإنسان أن يحافظ على هذه النفس بأن يمدها بوسائل الإبقاء في هذه الحياة، فأوجب عليه تناول الطعام والشراب، وتوفير اللباس، والمسكن وما إلى ذلك، وجعل ترك هذه الأمور شيئًا محرَّمًا لئلا يتساهل الناس فيه، وأوجب تعالى أيضًا المحافظة على كرامة الإنسان، فمنع القذف والشتم، قال ﷺ:

من لعن مؤمنًا فهو كَقَتْلِهِ، ومن قذف مؤمنًا بكفرٍ فهو كقتله (صحيح البخاري: 4/112، (6047)).

كما قد شرع الإسلام حق الدفاع عن النفس حماية لها فقد ورد في الحديث:

قاتل يعلى بن مُنْيَةَ أو ابنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا، فَعَضَّ أحدُهما صاحبَهُ، فانتزع يدَهُ من فَمِهِ، فنزع ثَنِيَّتَهُ، فاختصما إلى النّبيِ ﷺ فقال: "أَيَعَضُّ أحدُكم كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لا دِيَةَ له (صحيح مسلم: صـ 709، (4366)).

ما هو أهم مسؤوليات المسلم تجاه نفسه؟

إن من أهم مسؤوليات المسلم تجاه نفسه هو تزكيتها، والمقصود بالتزكية هو: التطهير وتدريب النفس وكبحُ أهوائها ورغباتها وزيادةُ محاسنها ومكارم الأخلاق فيها.

وإن أول الطرق لتزكية النفس هو المحافظة على الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج..وما إلى ذلك...ثم المحافظة على النوافل من صلاة وقراءة قرآن وصدقة وقيام ليل، ونحو ذلك...

ومن طرق التزكية أيضًا محاسبة النفس ودوام التوبة والندم على الذنوب، فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتَزينوا للعرض الأكبر:

يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ ١٨ [الحاقة: 18]، (محاسبة النفس لابن أبي الدنيا: 22).

وتظهر أهمية تزكية النفس في آيات عديدة من القرآن الكريم حيث قال الله تعالى في محكم تنزيله:

هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢ [الجمعة: 2].

وقال النبي ﷺ:

ألا وإنّ في الجسد مُضْغَةً: إذا صلحتْ صلح الجسدُ كله، وإذا فسدتْ فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلبُ (صحيح البخاري: 1/33، (52)).

دعاء لا تتركه: كان من أدعية النبي ﷺ:

اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي (سنن الترمذي: 4/293-294 (3494))؛

لأن النبي ﷺ كان يعلم أن النفس هي من ألد أعداء الإنسان ولا بد لأفراد أمته أن يحذروا هذا العدو حتى يكونوا عبادا لله خالصين.

نصيحة أخوية: لنجعل شيئًا من وقتنا لتزكية نفوسنا، فالنفس متعبة ولا بد لها من التزكية لتعود إلى ربها، وتزكيتها مسؤولية كل فرد من أفراد هذه الأمة، فلنتعاهد على أن نزكي نفوسنا ونربيها على حب الله وحب رسوله وحب دينه.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية