مدونات مختارة
الأكثر شهرة
أحسن الخلق من كمال الإيمان | محمّد ناصر جمال العطّاري المدني
قال رسول الله ﷺ:
«أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» ("سنن الترمذي"، 2/386، (1165)).
شرح الحديث:
يتّضح لنا من الجملة الأولى في الحديث الشريف أنّ حسن الخلق هو علامة من علامات كمال الإيمان، بينما في الجملة الثانية وُصِفَ حسن التعامل مع القريبات بأنّه معيار الأفضلية، لذلك دعونا الآن لنفهم الجملتين من الحديث الشريف بشيء من التّفصيل:
قال رسول الله ﷺ في الجملة الأولى من الحديث:
((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا))
قال الحليمي: دلّ على أنّ حسن الخلق إيمانٌ، وعدمه نقصان إيمان ("فيض القدير"، 2/124.).
* ويقول المفتي أحمد يار خان النَعيمي رحمه الله تعالى:
المؤمن مرتبطٌ بخالقه سبحانه وتعالى عبادةً وأيضًا بخَلْقِه (أي: عباده) معاملةً، ومن السهل أنْ تكون عبادته صحيحة ولكن من الصعب جدًّا أنْ يكون تعامله مع الخلق حسنًا، لذا وُصف الخلق الحسن بأنه متمّم للإيمان، ثمّ يكون اتّصال الإنسان بالعامة أحيانًا ولكن مع أهله وأقاربه دائمًا، فمن كمال خلقه أنْ يحسن تعامله مع أهل بيته وأقاربه، فديننا الإسلام يعلّم الحقوق الإنسانيّة بأكملها ("مرآة المناجيح"، 5/101، تعريبًا من الأردية.).
* وقال المفتي أحمد يار خان النعيمي رحمه الله تعالى في مكانٍ آخر:
العادة الحسنة تصحّح عبادات الإنسان ومعاملاته، فإذا كانتْ معاملاته صحيحة وعباداته غير صحيحة، أو كان العكس فإنّه بذلك ليس ذا خلق حسن، ووصفه بالخُلق الحسن جامع للصفات الحسنة بحيث يرضى عن صاحبها الخالق والمخلوق ("مرآة المناجيح"، 6/652، تعريبًا من الأردية.).
تعريف حسن الخلق: حسن الخلق ملكةٌ للنّفسِ يقتدر بها على صدور الأفعال الجميلة منه بسهولة ("دليل الفالحين"، الجزء الخامس، 3/76.).
حسن الخلق يقرّب صاحبه إلى الرسول: قال النبيُّ الكريم ﷺ:
«إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَسَاوِئُكُمْ أَخْلَاقًا» ("مسند أحمد"، 6/220، (17747)).
قال رسول الله ﷺ في الجملة الثانية من الحديث:
((خياركم خياركم لنسائهم))
ولهذه الجملة من الحديث: «خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا» معانٍ عديدة، منها: أي خياركم لنسائهم في الظاهر»، وذلك بالبشاشة وطلاقة الوجه وكفّ الأذى وبذل الندى والصبر على إيذائهن ("دليل الفالحين"، الجزء الخامس، 3/82، بتصرف.)؛
لِأَنَّهُنَّ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ لِضَعْفِهِنَّ ("مرقاة المفاتيح"، 6/406.).
ما المراد من النساء في الحديث؟
المراد بهنّ في الحديث حلائل الرجل مِنْ زوجةٍ أو أصوله (من الأم والجدة للأب والأم) وفروعه (من البنت، وبنت الابن والبنت) وأقاربه (الأخت والأخت من الرضاعة) ( "فيض القدير"، 2/124، بتصرف.).
1) بعض أقوال النبي ﷺ في حسن المعاشرة مع القريبات:
لقد رغّبنا سيّدنا رسول الله ﷺ في حسن التعامل مع القريبات فقال:
«مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ خَالَتَيْنِ أَوْ عَمَّتَيْنِ أَوْ جَدَّتَيْنِ فَهُوَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» وَضَمَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ وَالَّتِي إِلَى جَنْبِهَا ("المعجم الكبير"، 22/385، (959)).
2) الحديث الشريف في حسن التعامل مع الزوجة:
قال رسول اللَّه ﷺ:
«إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ» ("سنن الترمذي"، 4/278، (2621)).
وجاء في روايةٍ أخرى عن سيّدنا حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قال:
«أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلَا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلَا يَهْجُرْ إِلَّا فِي البَيْتِ» ("سنن ابن ماجه"، 2/409، (1850)).
لقد أمر رسول اللَّه ﷺ الزوجَ بإعراضه عن عيوب زوجته والنظر إلى محاسنها فقال:
«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» ("صحيح مسلم"، ص 595، (3648)).
3) حسن معاملة النبي ﷺ لقريباته:
كان الحبيب المصطفى ﷺ أحسن الناس خلقًا لكونه أكملهم إيمانًا ("فيض القدير"، 2/124.).
وكان النبيُّ الكريمُ ﷺ في حسن المعاشرة مع قرابته عديم النظير، فذات يومٍ دخلت السيّدة الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله من الرضاعة على الرسول فوثب قائمًا، فبسط رداءه، ثمّ قال: «اجلسي عليه»، ورحّب بها، ودمعتْ عيناه، وسألها عن أمّه وأبيه، فأخبرتْه بموتهما.
فقال: «إنْ أحببتِ فأقيمي عندنا محبّبة مكرّمة، وإنْ أحببتِ أنْ ترجعي إلى قومكِ وصلتُكِ ورجعت إلى قومك».
قالتْ: بل أرجع إلى قومي، فأسلمتْ، فأعطاها رسول الله ﷺ ثلاثة أعبد وجارية وأمر لها ببعير أو بعيرين، وقال لها: «ارجعي إلى الجعرانة تكونين مع قومكِ، فأنا أمضي إلى الطائف» فرجعتْ إلى الجعرانة، ووافاها رسول الله ﷺ بالجعرانة فأعطاها نعمًا وشاء ("سبل الهدى والرشاد"، 5/333.).
4) كذلك كانت السيّدة فاطمة رضي الله تعالى عنها إذا دَخَلَتْ على النبيِّ ﷺ قامَ إلَيْها فأَخَذَ بيَدِها وقَبَّلَها وأَجْلَسَها في مَجْلِسِهِ ("سنن أبي داود"، 4/454، (5217)).
5) كان سيّدنا رسول الله ﷺ يحادث أزواجه حديث الودّ والحبّ والحنان والعطف، يتحدّث مع أزواجه في أحبّ مواضيعهنّ (كما روي عن سيدنا أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنه، عن السيدة عائشة رضي اللَّهُ عنها أنّها قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها لُعَبٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟» قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: «وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟» قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: «فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟» قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ [سنن أبي داود، 4/368، (4932)].) . وكان يهتمّ بإزالة شكواهنّ وحلّ مشاكلهنّ ولو كانتْ أدنى شكوى، وذات مرّة كَانَتْ أمّ المؤمنين السيّدة صَفِيَّةُ بنت حيي رضي الله تعالى عنها مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، وكان ذلك يومها فأبطأت في المسير، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ:
«حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ بَطِيءٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا وُيُسْكِتُهَا ("السنن الكبرى" للنسائي، 5/369، (9162)).
6) فكان الحبيب المصطفى ﷺ مثالًا في احترام أزواجه وتقديرهنّ، فعن سيّدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُحَوِّيْ لَهَا (أي: للسيّدة صفيّة رضي الله تعالى عنها) وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ السيّدة صَفِيَّةُ رضي الله عنها رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ ("صحيح البخاري"، 2/280، 2893)).
أيها الأحبّة!
تأمّلوا كيف كان خلق قدوتنا رسول الله ﷺ وما أعظم أقواله وتعامله مع قريباته، ولو اتّبع المرء منا هذه التعليمات النبوية بصدق القلب لصار محافظًا على المرأة في مالها وعرضها وحياتها، وانتهت أكثر المنكرات وصار مجتمعنا آمنًا. أسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يوفّقنا وإيّاكم للأعمال الصالحة، آمين بجاه خاتم النبيين ﷺ.
تعليقات