غيرة النساء | أم حيان العطارية


نشرت: يوم الثلاثاء،28-يناير-2025

غيرة النساء

الغيرة شعور مؤلم، توتر وقلق دائم، حب امتلاك، خوف مستمر، مشاعر سلبية تفقدك لذة الحياة والنعم، فأجمل ما في الحياة أن يعيش المرء مطمئنًا مرتاح البال، هذا الشعور أعظم شعور، وإنما يفتقده من يصاب بـ"الغيرة".

الغيرة شعور طبيعي إذا كان ضمن الحد المعقول في مواقف معدودة أحيانًا ليست بشكل دائم ويومي، أما إذا زادت عن حدها فهي تدمّر البيوت وتهلك صاحبها نفسيًا.

يتولد الشعور بالغيرة في مرحلة الطفولة عندما يلاحظ الطفل اهتمام أمه بالطفل الأصغر وعدم الانتباه له كما كان، ففي مرحلة ما بعد الفطام تتولد عنده الغيرة بسبب الإهمال، وقد تزيد إلى أن تصبح غيرة مَرَضِية.

فالأم المربية الواعية التي تنتبه إلى مشاعر أطفالها مراعية شعورهم تجاهها وحبهم لها، فلا تمدح الأفضل منهم ولا تقارن بين الطفل وأخيه أو تقارنه مع غيره من الأطفال، وبهذا ينشأ الطفل طبيعيا وليس لديه غيرة مرَضية.

الغيرة شعور موجود بكل إنسان لكن إن كانت غيرة مرضية تكُبر وتزيد مع العمر وينتج عنها الحسد؛ لأن المقارنة خطيرة جدًا، فعدم الاهتمام بالمشاعر عند الطفولة تسبب لهم الأمراض والعقد النفسية التي كثرت في عصرنا الحالي، يشعر الطفل بغيرة يتمنى أن أمه لم تلد أخاه ويتولد الكره والحقد عنده منذ الصغر.

فالمرأة التي نشأت في بيئة غير متوازنة عندما تتزوج تكون غيرتها ليست عنْ محبّة بل غيرة مرَضية لحب للسيطرة والامتلاك، فقد تغار من أمه وأخته وكل من حوله ولا ترضى مهما فعل، ترضى فقط عندما تضعه في سجن تمتلكه ملكًا خاصًا تبعده عن جميع من حوله.

الغيرة الطبيعية ضمن الحد المعقول جميلة ومحمودة عند الرجل وعند المرأة، فهي من كمال الرجولة والأنوثة، ومراعاة هذا الشعور واجب عند المرأة والرجل، وقد تعلّمنا الرقي والحكمة من بيت النبوة، فإذا عدنا إلى عصر النبوة رأينا كيف كان تعامل النبي ﷺ مع غِيرة زوجاته بهدوء وقبول:

كان النبي ﷺ عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي ﷺ في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي ﷺ فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: غارت أمّكم. ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. (صحيح البخاري: 5225)

وإذا نظرنا إلى حكمة النبي ﷺ وتبسّمه لبعض أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وقد فعلت ذلك أمام الصحابة فوضع لها عذرًا وقال: "غارت أمكم"، نعم! الغيرة تحجب العقل لذا لم تُلَمْ على هذا الصنيع، فكانت غيرتها عذر لها.

احتوى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام الموقف بابتسامة وتبرير للفعل وانتهى.

حكمة الرجل أو المرأة في تحمّل وتبرير بعض مواقف الغيرة والانفعال عند الطرف الآخر ينهي المشاكل بزمن بسيط ولا تتطوّر الأمور.

لكن لكل شيء حد معين، بعض النساء قد تتزايد عندها الأمور وتتطور فيجب على المرأة أن تضبط نفسها قدر المستطاع وتجاهد شعور الغيرة بالدعاء: اللهم أذهب غيظ قلبي.

إذا تركت المرأة نفسها وراء الغيرة والمقارنة قد تتطور الغيرة عندها حتى تكون مرَضية يصعب علاجها، تزيد مع المقارنة بالغير، حتى تصل إلى الحسد.

نرجع إلى الأسباب فالأم لها دور عظيم، فعند تربية أبنائها يجب أن تنبههم دائما على عدم المقارنة والنظر إلى ممتلكات الآخرين، فشعور المقارنة إذا زاد عند الطفل كبر وكبرت الغيرة في قلبه.

أما عندما ينشأ الطفل على نبذ المقارنة والثقة بالنفس كبر ولديه غيرة طبيعية فلم تزد غيرته عن حدها الطبيعي.

وكذا الرجل والمرأة إذا كانت الغيرة عندهم خارجة عن حدها الطبيعي قلبت الحياة الزوجية إلى جحيم، قد ينتهي أمرهما بالطلاق لهذا السبب.

تعزيز الثقة بالنفس عند الأطفال أمر مهم كيلا يشعروا بأنهم أقل من غيرهم؛ فسبب تجاوز الغيرة إنما هو عدم الثقة بالنفس والشعور بالأقلية.

الأم مهمتها عظيمة في التربية، يجب أن تغرس في أطفالها حب المقارنة بالطريقة التي علّمنا إياها رسولنا الكريم ﷺ:

"انْظُرُوا إلى مَن أسْفَلَ مِنكُمْ، ولا تَنْظُرُوا إلى مَن هو فَوْقَكُمْ، فَهو أجْدَرُ أنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ". (صحيح مسلم: 2963)

نعم! هذه هي المقارنة الصحيحة التي تجعل الإنسان يسعى للآخرة بهمة عالية، ونظره دائمًا للأعلى في الدين.

وكذلك يديم النظر للأدنى في الدنيا، وبهذا يستشعر عظمة النعم التي بين يديه، ويرضى بما قسّمه الله له، فلا يحسد إنسانًا على ما أعطاه الله؛ لأنه راضٍ بعطاء الله وقسمته، مؤمنًا بالقضاء والقدر خيره وشره.

أقسام الغيرة

تنقسم الغيرة إلى قسمين: منها ما هو محمود شرعًا، ومنها ماهو مذموم، وقد وردت أحاديث عن الغيرة، منها قول النبي ﷺ:

"إن من الغيرة ما يحبّه الله ومنها ما يبغضه الله، فأما الغيرة التي يحبّها الله فالغيرة في الريبة، والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة من غير ريية". (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 5/2173)

المؤمن غيور بطبعه ولكن لكل شيء حد معين.

فالمحمود منها في مواقع الريبة التي تستلزم الغيرة على الدين سواء وقع هذا الأمر من المحارم أو غيرهم، نعم يعتصر قلب المسلم رجلاً كان أو امرأة عندما يرى من يتعدّى حدود الله تعالى ويعصيه.

أما الذي يرى زوجته ومحارمه في مواقع الفتن يرتكبون ما حرّم الله تعالى ورسوله ولا يغار عليهم، سمّاه النبي ﷺ "ديوثًا"، وذمّه في الحديث بقوله:

ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاقّ لوالديه، والمرأة المترجلة، والديّوث. (سنن النسائي: 5/80، (2562))

وأما من يغار بلا سبب يستدعي الغيرة فغيرته مذمومة شرعًا، وهو من سوء الظن والشكّ الذي لا يليق بالمؤمن أبدًا.

أخيرا!

الغيرة المذمومة مدمّرة للعلاقات الزوجية والاجتماعية، ولا يليق هذا الخلق بالمؤمن، وأما الغيرة عند الزوجة فعلاجها كما ورد في الحديث النبوي:

كان رسول الله ﷺ إذا غضبت عائشة وضع يده على منكبها فقال: اللهم اغفر لها ذنبها وأذهب غيظ قلبها وأعذها من مضلّات الفتن. (الأربعين في مناقب أمّهات المؤمنين لابن عساكر: صـ 85)

فالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى وتكرار هذا الدعاء: اللهم أذهب غيظ قلبي، بإذن الله تنزل السكينة والطمأنينة على القلب إن دعا المرء بإخلاص واستعان بالله عزوجل على تغيير نفسه.

تعليقات



رمز الحماية