الصواب؟ التجديد أو اتباع منهج السلف؟ | المفتي محمد قاسم العطاري


نشرت: يوم الأَربعاء،03-سبتمبر-2025

الصواب؟   التجديد أو اتباع منهج السلف؟

هذا المقال من مجلة نفحات المدينة: 18

في الوقت الحاضر، يكثر الحديث عن هذا الأمر فيتساءلون: هل يجب الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة من أجل تفسير الدين وفهمه، أم يجب اتباع منهج السلف الصالح في ذلك؟

والجواب على ذلك: بأن الأمر إذا كان يتعلق بالعقائد الإسلامية، والأحكام الشرعية فنلزم منهج السلف الصالح؛ لأن الأئمة العظام حجة لنا في فهم النصوص القرآنية والحديثية وتحديد معانيها. رية.

وأما التكنولوجيا الحديثة فلا نتجاهلها، بل نجعلها آلة لتيسير فهم تلك النصوص، وتبليغها للناس بطريقة حسنة. وهناك أمران لا بد من بيانهما:

أوله: فهم الدين (أي: معرفة الدين الحنيف، وأحكامه)

وثانيه: طريقة تفهيم الدين (أي: كيفية تقديمه للناس)

أما فهم الدين فيجب اتباع السلف الصالح فيه، وأما طريقة التفهيم فنجعل التكنولوجيا الحديثة وسيلة مساعدة لذلك، وقد أثبت القرآن الكريم هذين الأمرين.

الدليل القرآني على ضرورة اتباع السلف الصالح في فهم الدين:

يُستدل بهذه الآيات على ضرورة اتباع السلف الصالح في فهم الدين، فقد علّمنا الله تعالى الدعاء في سورة الفاتحة أن نقول هذه الكلمات:

ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ  (الفاتحة: 6-7).

والقرآن الكريم هو نفسه ذكر الذين أنعم الله عليهم، فقال في آية أخرى:

وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ  (النساء: 69).

فإذا جمعنا بين هاتين الآيتين ظهر لنا أن طريق السلف الصالح هو الطريق الذي أمر القرآن باتباعه.

كما عَلّمَنا القرآنُ أيضًا أنه من أعرض عن المنهج الذي أجمع عليه المسلمون في الاعتقاد، والأحكام الشرعية فقد سلك طريق الضلال، والإعراض عن طريق جمهور المسلمين هو بداية الضلال؛ لأن الابتعاد عن طريق الأسلاف الكرام، والانحراف عن فهمهم للدين، وتفسير الدين بالرأي من دون طريقتهم يؤدّي إلى الضلال.

الأمر الثاني: دليل القرآن على الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في تفهيم الدين، وتبليغه إلى الآخرين:

لقد ذكرنا أنّ الأمر إذا كان يتعلّق بالعقائد الإسلامية، والأحكام الشرعية فمنهج السلف الصالح حجة لنا في فهم نصوص القرآن والسنة، وأننا نجعل التكنولوجيا الحديثة وسيلة مساعدة لتيسير تفهيم تلك المعاني والمفاهيم وتبليغها للناس، وقد أرشد إليه القرآن الكريم بقوله:

ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ (النحل: 125).

تدعو الآية إلى استخدام الحكمة، والبصيرة، وحسن الأسلوب في الموعظة والإرشاد، ويدخل ضمن هذه الآية دعوة الناس إلى دين الله تعالى بالأسلوب الذي يتفق مع متطلبات العصر وأهله، وعليه يجوز لنا نشر تعاليم القرآن والسنة اعتمادًا على الأسلوحدث بعد التسليم بحجية فهم السلف الصالح.

أما العلماء الْمُحْدَثُون الذين يخالفون منهج السلف الكرام، وأئمة الدين، ويعتمدون على آرائهم الناقصة، وفهمهم الناقص، ويفسرون القرآن والحديث بحسب أهوائهم معارضين أقوال أئمة الدين، ويزعمون أن ما فهموه من الدين هو الصواب والقطعي! وهو الصحيح!

وبعبارة أخرى: هم يعتقدون أن الصحابة، والتابعين، والآلاف من العلماء، والفقهاء، والأئمة، والمجتهدين إلى يومنا هذا كانوا لا يعرفون الدين، ولم يفهموه كما هو، بل نشروا فهمهم الخاطئ، ودحَوْا به كتبهم، وها قد جاء اليوم أصحاب الفهم الصحيح حسب قولهم، ليناقشوا فهم سلف الأمة، ويعتبروه الخطأ المنحرف ثم يرجحوا آرائهم عليه! هكذا قُلبت الأمور وصارت عند أهل الضلالة.

ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ  (الفاتحة: 6-7).

يكمن الفوز والنجاة والفلاح في اتباع طريق السلف الصالح، والابتعاد عن أهل البدع والأهواء، لأن اتباع أهل الهوى يفتح باب الضلال، والضلال مناقض للحق تمامًا، ولقد صرّح القرآن الكريم بهذا الأمر حين ذكر أن في الأمم السابقة رجالاً أشرارًا ممن اتبعوا أهواءهم، وخالفوا طريق الحق الذي جاء به أنبياؤهم، حيث قال الله سبحانه في كتابه العزيز:

فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا ٥٩ (مريم: 59).

ثم كيف أعرضوا عن طريق أنبيائهم الصحيح بعد وفاتهم، واتبعوا أهواءهم؟

لقد فصّل ذلك نبينا ﷺ فقال:

«مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ»("صحيح مسلم"، ص 49، (179).)

خلاصة:

خلاصة القول في الذين يحاولون إقناع الناس بقبول آرائهم الضالة، حين يتبعون أهواءهم معرضين عن طريق سلف الأمة: بأن هؤلاء أناس متساهلون في شأن دينهم، وحالهم كحال أهل الأهواء، فإنهم مضطرون لتقليل شأن السلف الكرام، والأئمة العظام في عيون الناس حتى يتمكنوا من ترويج آرائهم؛ وأنه من الطبيعي أنهم إذا جاؤوا بأمر جديد في الإسلام يخالف منهج آلاف العلماء القدامى، والمحدّثين، والمفسرين يُرد عليهم: من أنتم ولماذا نتبع آراءكم وأين فهمكم وعلمكم ودينتكم أمام منهج السلف الصالح والأئمة الذين كانوا يتصفون بالعقل الصافي، والقلب السليم، والعمل الصالح، والورع مع كونهم متبحرين في العلوم، وكانوا في عدد كبير بلغ مئات الآلاف في كل عصر ومِصر!؟

فمن الصعب إقناع مثل هذه العقول الراسخة وأصحاب الإيمان بقبول منهجهم الجديد، لذا بقي أمامهم الحل الوحيد لترويج آرائهم الجديدة والشاذة الباطلة، بأن يقنعوا الناس على أننا نعترف بجهود العلماء القدامى، ونمدحهم على أعمالهم، ولكن متطلبات العصر تقتضي أمورًا جديدة، ونحن نحتاج التجديد في الدين! ثم يقدّمون الدين الجديد باسم التجديد في الدين. وإذا جاؤوا بمثل هذه الشبهات تنشأ الشكوك في قلوب بعض الناس نحو منهج السلف الكرام، فيسهل عليهم قبول آرائهم الجديدة.

ولذا من تمسك بمذهب الأسلاف الكرام فقد نجا، ومن انحرف عنه فقد تاه في الضلال، نسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بمذهب أسلافنا الكرام، وأن يحفظنا من الزيغ والضلال. آمين.

تعليقات



رمز الحماية