أي: فلا تحزن واصبر, وأدلّتُه كثيرةٌ منها أن يدلّ العقلُ عليه والمقصودُ الأظهرُ على تعيين المحذوف نحو: ﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ ﴾ [المائدة:٣], ومنها أن يدلّ العقل عليهما نحو: ﴿ وَجَآءَ رَبُّكَ ﴾ [الفجر:٢٢] أي: أمره أو عذابه, ومنها أن يدلّ العقل عليه والعادةُ على التعيين نحو: ﴿ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ﴾ [يوسف:٣٢] فإنه يحتمل ½في حبّه¼ لقوله تعالى: ﴿ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ﴾ [يوسف:٣٠] و½في مراودته¼ لقوله تعالى: ﴿ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ﴾ [يوسف: ٣٠] و½في شأنه¼ حتّى يشملهما, والعادةُ دلّت على الثاني لأنّ الحبّ المُفرِط لا يلام صاحبه عليه في العادة لقهره إيّاه, ومنها.................................
(أي: فلا تحزن واصبر) وأقيم مقامه قوله ½فقد كذبت رسل من قبلك¼ لأنه سبب لمضمون الجواب المحذوف (وأدلّتُه) أي: قرائنُ الحذفِ وتعيينِ المحذوف (كثيرةٌ منها) أي: من أدلّته (أن يدلّ العقلُ عليه) أي: على الحذف (و) يدلّ (المقصودُ الأظهرُ على تعيين المحذوف نحو) قوله تعالى: (﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ) وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ﴾ فإنّ العقل يحكم بأنّ الظاهر أي: تحريم الأعيان المذكورة ليس بمراد؛ لأنّ الأحكام إنما تتعلّق بالأفعال دون الأعيان فوجب أن يكون في الكلام حذف, والمقصود الأظهر هو تحريم تناول الأشياء المذكورة فدلّ على تعيين المحذوف أي: حرّم عليكم تناول الميتة..إلخ, (ومنها) أي: ومن أدلّته (أن يدلّ العقل) وحده (عليهما) أي: على الحذف وعلى تعيين المحذوف (نحو) قوله تعالى: (﴿وَجَآءَ رَبُّكَ ﴾) فالعقل الكامل يدلّ على أنّ مجيء الربّ ممتنع ويدلّ على تعيين المحذوف أيضًا (أي:) وجاء (أمره أو) جاء (عذابه) لأنّ القيامة يوم الجزاء (ومنها) أي: ومن أدلّته (أن يدلّ العقل عليه) أي: على الحذف (و) يدلّ (العادةُ على التعيين) أي: تعيين المحذوف (نحو) قوله تعالى: (﴿فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ﴾) فالعقل يدلّ على أنّ فيه حذفًا لأنّ اللوم إنما يقع على الفعل دون الذات, وأمّا تعيين المحذوف (فإنه يحتمل) أن يكون الحبّ أي: ½لمتنني (في حبّه¼ لقوله تعالى) حكاية عن اللوائم: (﴿قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ﴾ و) يحتمل أن يكون المراودة أي: ½لمتنني (في مراودته¼ لقوله تعالى) حكاية عن اللوائم أيضًا: (﴿تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ﴾ و) يحتمل أن يكون الشأن أي: ½لمتنني (في شأنه¼ حتّى يشملهما) أي: لأجل أن يشمل الشأنُ الحبَّ والمراودةَ (والعادةُ) أي: ولكنّ العادة (دلّت على) الاحتمال (الثاني) وذلك (لأنّ الحبّ المُفرِط) أي: الشديد الغالب (لا يلام صاحبه عليه في العادة لقهره إيّاه) أي: لغلبة الحبّ المُفرِط على صاحبه, وإنما يلام على ما دخل تحت كسبه كالمراودة, فتعيّن الثاني (ومنها) يعني: ومن أدلّة تعيين المحذوف