أبو أمّه أبوه، وإمّا في الانتقال كقول الآخر: سَأَطْلُبُ بُعْدَ الدَارِ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوْا * وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُمُوْعَ لِتَجْمُدَا فإنّ الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع لا إلى ما قصده من السرور، قيل ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات كقوله: سَبُوْحٌ لَهَا مِنْهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ وقوله: ½حَمَامَةَ جَرْعَى حَوْمَةِ الْجَنْدَلِ اسْجَعِيْ¼. وفيه نظر، وفي المتكلّم: ملَكة......................................
(أبو أمّه) أي: أبو أمّ ذلك المملّك (أبوه) أي: أبو إبراهيم, فـ½أبو أمه أبوه¼ مبتدأ وخبر وبينهما فصل بـ½حيّ¼, و½حيّ يقاربه¼ موصوف وصفة وبينهما فصل بـ½أبوه¼, و½مثله حيّ¼ مبدل منه وبدل وبينهما فصل كثير, و½حىّ إلاّ مملّك¼ مستثنى منه ومستثنى وبينهما تقديم وتأخير (و) لخلل واقع (إمّا في الانتقال) أي: في انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المراد وذلك بسبب أن يورد المتكلّم المجازات والكنايات والقرينة الدالّة على المقصود خفيّة فلو كانت ظاهرةً فلا خلل سواء تعدّدت الوسائط أو لا نحو ½فلان كثير الرماد¼ و½فلان طويل النجاد¼ (كقول الآخر) وهو عباس بن الأحنف (سَأَطْلُبُ بُعْدَ الدَارِ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوْا * وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُمُوْعَ لِتَجْمُدَا) فالشاعر كنى بسكب الدموع عن الحزن وأصاب فيه, وكنى بجمود العين عن السرور لكنه أخطأ فيه (فإنّ الانتقال) عرفًا (من جمود العين إلى بخلها بالدموع) في مقام سكب الدموع كقوله: أَلاَ إِنَّ عَيْنًا لَمْ تَجُدْ يَوْمَ وَاسِطٍ * عَلَيْكَ بِجَارِيْ دَمْعِهَا لَجَمُوْدُ أي: لبخيلةٌ (لا إلى ما قصده من السرور) ولهذا لا يقال ½جمد الله عينك¼ على إرادة ½أسر الله عينك¼ (قيل) الفصاحة في الكلام خلوصه ممّا تقدّم (ومن كثرة التكرار) التكرار ذكر شيءٍ ثانيًا وكثرته ذكره ثالثًا (و) من (تتابع الإضافات) المراد بالإضافات ما فوق الواحد, فكثرةُ التكرار (كقوله) أي: قول أبي الطيّب أحمد المتنبّي (سَبُوْحٌ) أي: فرس حسنة العدو لا تُتعِب راكبَها كأنها تسبَح على الماء (لَهَا مِنْهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ) يعني: أنّ لها من نفسها علاماتٍ تدلّ على شرافتها (و) تتابعُ الإضافات كـ(قوله) أي: قول عبد الصمد بن منصور (حَمَامَةَ) أي: يا حمامة (جَرْعَى حَوْمَةِ الْجَنْدَلِ اسْجَعِيْ) أي: طرّبي في صوتك, والجرعاء بالمد أرض ذات رمل وقصره في الشعر للضرورة, والحومة معظم الشيء والجندل أرض ذات حجارة (وفيه) أي: في زيادة هذا القيد على حدة (نظر) لأنّ كلاًّ من الكثرة والتتابع إن ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بقيد الخلوص من التنافر فلا حاجة إلى هذه الزيادة وإلاّ فلا يخلّ بالفصاحة بل إذا سلم هذا من الثقل والاستكراه ملح ولطف قال الله تعالى: ﴿مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ﴾ [المؤمن:٣١] و﴿ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِيَّآ﴾ [مريم:٢] و﴿ وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ﴾ [الشمس:٧-٨] (و) الفصاحة الكائنة (في المتكلّم ملَكة) أي: كيفية راسخة في