والاستعارة قد تقيّد بالتحقيقيّة لتحقّق معناها حسًّا أو عقلاً كقوله: ½لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِلاَحِ مُقَذَّفٍ¼, وقوله تعالى: ﴿ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة:٥] أي: الدِينَ الحقَّ, ودليلُ أنها مجاز لغَويّ كونُها موضوعةً للمشبّه به لا للمشبّه ولا للأعمّ منهما, وقيل: إنها عقليّ بمعنى أنّ التصرّف في أمر عقليّ لا لغَويّ لأنها لمّا لم تُطلَق على المشبّه إلاّ بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به كان استعمالها فيما وضعت له, ولهذا صحّ التعجّبُ في قوله: قَامَتْ تُظَلِّلُنِيْ مِنَ.......
(والاستعارة قد تقيّد بالتحقيقيّة) فيقال ½الاستعارة التحقيقيّة¼ بمعنى محقّقة المعنى (لتحقّق معناها) الذي أريد بها (حسًّا أو عقلاً كقوله) أي: قول زهير بن أبي سُلْمَى (½لَدَى) أي: أنا عند (أَسَدٍ شَاكِي السِلاَحِ) أي: تامٍّ سِلاحُه (مُقَذَّفٍ¼) صفة ثانية لـ½أسد¼ وهو مَن رمي به في الحروب كثيرًا حتّى صار عارفًا بها فلا تهوّله, فالأسد مستعار للرجل الشُجاع وهو أمر متحقّق حسًّا لإدراكه بحاسّة البصر (و) كـ(قوله تعالى: ﴿ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ﴾ أي:) اهدنا (الدِينَ الحقَّ) فالصراط المستقيم مستعار للدين الحقّ وهو أمر متحقّق عقلاً لأنه عبارة عن الأحكام الشرعيّة, ثمّ الجمهور على أنّ الاستعارة مجاز لغَويّ بمعنى أنها لفظ استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابَهة (ودليلُ أنها) أي: الاستعارة (مجاز لغَويّ كونُها) أي: كون الاستعارة (موضوعةً للمشبّه به لا) موضوعةً (للمشبّه ولا) موضوعةً (لـ) المعنى (الأعمّ منهما) أي: من المشبّه به والمشبّه فإنّ الأسد في ½رأيت أسدًا يتكلّم¼ موضوع للسبع المخصوص لا للرجل الشجاع ولا للمعنى الأعمّ منهما الشاملِ لهما كالحيوان المجتريء مثلاً فإطلاقه على الرجل الشجاع إطلاق على غير ما وضع له (وقيل: إنها) أي: الاستعارة مجاز (عقليّ بمعنى أنّ التصرّف) الواقع من المتكلّم إنما هو (في أمر عقليّ) أي: في أمر يدرك بالعقل وهو المعاني العقليّة والتصرّف الواقع فيه من المتكلّم هو ادّعاءُ أنّ المشبّه فرد من أفراد المشبّه به (لا) في أمر (لغَويّ لأنها) أي: الاستعارة (لمّا لم تُطلَق على المشبّه إلاّ بعد ادّعاء دخوله) أي: دخول المشبّه (في جنس المشبه به كان استعمالها) أي: استعمال الاستعارة في المشبّه استعمالاً (فيما وضعت له) لا في غير ما وضعت له فلا تكون الاستعارة مجازًا لغَويًّا فالتجوّز في الحقيقة إنما هو في المعاني (ولهذا) أي: ولأنّ إطلاق اسم المشبّه به على المشبّه إنما يكون بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به (صحّ التعجّب في قوله) أي: قول ابن العميد في غلام جميل قام على رأسه يظلّله من حرّ الشمس (قَامَتْ تُظَلِّلُنِيْ) أي: تُوقِعُ الظلَّ عليّ وتمنعني (مِنَ) حرّ