ثم قال والتعريض قد يكون مجازًا كقولك: ½آذَيْتَنِيْ فَسَتَعْرِفُ¼ وأنت تريد إنسانًا مع المخاطَب دونه, وإنْ أردتَهما جميعًا كان كنايةً, ولا بدّ فيهما من قرينة. فصل أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح؛ لأنّ الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم فهو كدعوى الشيء ببيّنة, وأنّ الاستعارة أبلغ من التشبيه لأنها نوع من المجاز.
معنى مجازيّ ولزم من ذلك كون محلِّ المجد وموصوفِه آلَ طلحة بواسطة أنّ المجد صفة لا بدّ لها من موصوف وهذه الواسطة بيّنة (ثم قال) السكّاكيّ (والتعريض قد يكون مجازًا) وقد يكون كناية (كقولك ½آذَيْتَنِيْ فَسَتَعْرِفُ¼ و) الحال أنك (أنت تريد) بهذا الكلام (إنسانًا) حاضرًا (مع المخاطَب) بمعنى أنك تُهدِّد ذلك الإنسانَ (دونه) أي: لا تريد تهديدَ المخاطَب, فكان مجازًا لأنّ التاء مستعملة في غير ما وضعت له (وإنْ أردتَهما) أي: المخاطَب وإنسانًا آخر معه (جميعًا كان) هذا الكلام (كنايةً) لأنك أردتَ باللفظ معناه الأصليَّ وغيرَه معًا ولا يجوز إرادة المعنى الأصليّ في المجاز (ولا بدّ فيهما) أي: في كونه مجازًا وفي كونه كناية (من قرينة) مميِّزةٍ أحدَهما من الآخر (فصل) في ذكر أفضليّة المجاز والكناية على الحقيقة والتصريح في الجملة (أطبق) أي: اتّفق (البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح) لفّ ونشر مرتّب, أي: يفيدان زيادةَ تأكّد للإثبات (لأنّ الانتقال) أي: انتقال ذهن السامع (فيهما) أي: في المجاز والكناية (من الملزوم إلى اللازم) ووجود الملزوم يستلزم وجود اللازم (فهو كدعوى الشيء ببيّنة) أي: مع دليله (و) على (أنّ الاستعارة) التحقيقيّة والتمثيليّة (أبلغ من التشبيه لأنها) أي: لأنّ الاستعارة (نوع من المجاز) والتشبيه نوع من الحقيقة.
أصرع في كل يوم مرتين حُكي أنّ الحَجّاج خرج يوما متنزّها فلمّا فرغ مِن نُزهته صرف عنه أصحابُه وانفرد بنفسه فإذا هو بشيخ مِن بني عجل فقال له مِن أين أيها الشيخ؟ قال مِن هذه القرية, قال كيف تَرون عُمَّالَكم قال شَرُّ عمّال يظلمون الناس ويستحلّون أموالَهم, قال فكيف قولك في الحجاج؟ قال ذاك ما ولَّى العراقَ شرٌّ منه, قَبحه اللهُ وقَبح مَن استعمله, قال أَتَعرِفُ مَن أنا؟ قال لا, قال أنا الحجاج, قال جعلتُ فِداك أَوَ تَعرِف مَن أنا؟ قال لا, قال فلانُ بن فلان مجنونُ بني عجل أصرعُ في كلّ يوم مرتين, قال فضحك الحجّاج منه, وأَمر له بِصِلة. (المستطرف,١/١٣٥) |