كقول جرير: إِذَا غَضِبَتْ عَلَيْكَ بَنُوْ تَمِيْمٍ * وَجَدْتَ النَاسَ كُلَّهُمْ غِضَابَا, وقولِ أبي نُوَاس: لَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَر * أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِيْ وَاحِدِ, ومنه القلب وهو أن يكون معنى الثاني نقيضَ معنى الأوّل كقول أبي الشِيْص: أَجِدُ الْمَلاَمَةَ فِيْ هَوَاكِ لَذِيْذَةً * حُبًّا لِذِكْرِكِ فَلْيَلُمْنِي اللُوَّمُ وقولِ أبي الطيِّب: أَ أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فِيْهِ مَلاَمَةً * إِنَّ الْمَلاَمَةَ فِيْهِ مِنْ أَعْدَائِهِ, ومنه أن يُؤخَذ بعض المعنى ويُضافَ إليه ما يُحسِّنه كقول الأَفْوَهِ: وَتَرَى الطَيْرَ عَلَى آثَارِنَا * رَأْيَ عَيْنٍ ثِقَةً أَنْ سَتُمَارُ وقولِ أبي تمّام: وَقَدْ ظُلِّلَتْ عِقْبَانُ أَعْلاَمِهِ ضُحًى * بِعِقْبَانِ طَيْرٍ فِي الدِمَاءِ نَوَاهِلِ * أَقَامَتْ مَعَ الرَايَاتِ حَتَّى كَأَنَّهَا * مِنَ الْجَيْشِ إِلاَّ أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلِ؛...............
(كقول جرير: إِذَا غَضِبَتْ عَلَيْكَ بَنُوْ تَمِيْمٍ * وَجَدْتَ النَاسَ كُلَّهُمْ غِضَابَا) أفاد بهذا أنّ بني تميم بمنزلة الناس جميعًا (وقولِ أبي نُوَاس: لَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَر * أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِيْ وَاحِدِ) هذا يفيد أنّ الممدوح بمنزلة العالم, وهو أشمل من الناس (ومنه) أي: من غير الظاهر (القلب وهو أن يكون معنى) البيت (الثاني نقيضَ معنى) البيت (الأوّل كقول أبي الشِيْص: أَجِدُ الْمَلاَمَةَ فِيْ هَوَاكِ لَذِيْذَةً * حُبًّا لِذِكْرِكِ فَلْيَلُمْنِي اللُوَّمُ) جمع لائم (وقولِ أبي الطيِّب: أَ أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فِيْهِ مَلاَمَةً *) الاستفهام للإنكار أي: لا أجمع بين محبّته ومحبّة الملامة فيه (إِنَّ الْمَلاَمَةَ فِيْهِ مِنْ أَعْدَائِهِ) وعدوُّ المحبوب مبغوض, فالأوّل أفاد حبَّ اللوم في المحبوب لعلّةٍ والثاني يفيد بغضَه لعلّةٍ (ومنه) أي: من غير الظاهر (أن يُؤخَذ بعض المعنى) من الكلام الأوّل (ويُضافَ إليه) أي: إلى ذلك البعض (ما يُحسِّنه) من المعاني (كقول الأَفْوَهِ: وَتَرَى الطَيْرَ عَلَى آثَارِنَا *) أي: وراءَنا تابعةً لنا (رَأْيَ عَيْنٍ) أي: معايَنةً, وهو تأكيد لقوله ½تَرَى¼ (ثِقَةً) أي: حال كون الطير واثِقةً (أَنْ سَتُمَارُ) أي: ستُطعَم تلك الطيرُ لحومَ مَن نقتلهم (وقولِ أبي تمّام: وَقَدْ ظُلِّلَتْ) بالبناء للمفعول (عِقْبَانُ أَعْلاَمِهِ) جَمْعَا عقابٍ وعلَمٍ والإضافةُ تشبيهيّةٌ (ضُحًى *) أي: وقت الضحى (بِعِقْبَانِ) متعلِّق بـ½ظُلِّلَتْ¼ أي: ظلّلت عقبان الأعلام بعِقبان (طَيْرٍ) فإنها لزمت فوق الأعلام فأَلقَتْ ظِلَّها عليها (فِي الدِمَاءِ) متعلِّق بقوله: (نَوَاهِلِ *) جمع ناهِل ضدّ عطشان, وهو صفة لعِقبان طيرٍ, أي: بعِقبان طيرٍ من صفتها النهلُ من دِماء القتلى, فتظليل العِقبان للأعلام لرَجائِها النهلَ من دِماء القتلى ووثوقِها بأنها ستُطعَم لحومَهم (أَقَامَتْ) عِقبانُ طيرٍ (مَعَ الرَايَاتِ) أي: الأعلام (حَتَّى كَأَنَّهَا *) أي: كأنّ عِقبان طيرٍ (مِنَ) أفراد (الْجَيْشِ إِلاَّ أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلِ) أي: لكنّها لم تباشر القتال, فقد أخذ أبو تمّام بعض المعنى من قول الأَفْوَه وأضاف إليه ما يحسّنه