عنوان الكتاب: تلخيص المفتاح

وثالثها كقول الأعرابيّ: وَلَمْ يَكُ أَكْثَرَ الْفِتْيَانِ مَالاَ * وَلَكِنْ كَانَ أَرْحَبَهُمْ ذِرَاعًا وقولِ أشجع: وَلَيْسَ بِأَوْسَعِهِمْ فِي الْغِنَى * وَلَكِنَّ مَعْرُوْفَهُ أَوْسَعُ, وأمّا غيرُ الظاهر فمنه أن يتشابه المعنيان كقول جرير: فَلاَ يَمْنَعْكَ مِنْ أَرَبٍ لُحَاهُمْ * سَوَاءٌ ذُو العِمَامَةِ وَالْخِمَارُ وقولِ أبي الطيِّب: وَمَنْ فِيْ كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ * كَمَنْ فِيْ كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ, ومنه أن يُنقَل المعنى إلى محلّ آخر كقول البحتري: سُلِبُوْا وَأَشْرَقَتِ الدِمَاءُ عَلَيْهِمْ * مُحْمَرَّةً فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُسْلَبُوْا وقولِ أبي الطيِّب: يَبِسَ النَجِيْعُ عَلَيْهِ وَهْوَ مُجَرَّدٌ * مِنْ غِمْدِهِ فَكَأَنَّمَا هُوَ مُغْمَدُ, ومنه أن يكون معنى الثاني أشملَ

وهو سنان الرمح, فكلّ من البيتين تضمّن تشبيه اللسان بآلة الحرب في التأثير لكنّ بيت البحتري أجود لأنه نسب إلى الكلام التألّق والصقالة وهما من لوازم السيف فكان في كلامه استعارة بالكناية فازداد حسنًا بخلاف بيت المتنبّي (وثالثها) أي: وثالث الأقسام الثلاثة وهو ما يكون فيه الثاني مثل الأوّل (كقول الأعرابيّ: وَلَمْ يَكُ أَكْثَرَ الْفِتْيَانِ) أي: لم يكن الممدوح أكثر الأقران (مَالاَ * وَلَكِنْ كَانَ أَرْحَبَهُمْ) أي: أوسعَهم (ذِرَاعًا) أي: ولكن كان أسخاهم (وقولِ أشجع) في مدح جعفر بن يحيى البرمكي (وَلَيْسَ) أي: الممدوح (بِأَوْسَعِهِمْ) أي: بأوسع الملوك (فِي الْغِنَى *) أي: في المال (وَلَكِنَّ مَعْرُوْفَهُ) أي: إحسان الممدوح (أَوْسَعُ) من معروفهم, فمعنى البيتين واحد ولم يختصّ أحدهما بفضيلة فيكون الثاني بعيدًا من الذمّ (وأمّا) الأخذُ (غيرُ الظاهر) وهو ما يحتاج في معرفة كون الثاني مأخوذًا من الأوّل إلى تأمّل, وأقسامه كثيرة ذكر منها خمسة بقوله (فمنه) أي: من غير الظاهر (أن يتشابه المعنيان) المأخوذُ منه والمأخوذُ (كقول جرير: فَلاَ يَمْنَعْكَ مِنْ أَرَبٍ) أي: من حاجة (لُحَاهُمْ *) جمع لحية, وهو فاعل ½يَمْنَعْكَ¼ (سَوَاءٌ ذُو العِمَامَةِ وَالْخِمَارُ) هذه جملة مستأنفة في معنى العلّة (وقولِ أبي الطيِّب: وَمَنْ فِيْ كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ *) أي: رمح (كَمَنْ فِيْ كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ) أي: صبغ الحناء, فالبيتان متشابهان في المعنى من جهة إفادة كلٍّ منهما أنّ لرجالهم مثل ما للنساء من الضعف (ومنه) أي: من غير الظاهر (أن يُنقَل المعنى إلى محلّ آخر) كأن يكون المعنى وصفًا لموصوف فينقل منه إلى آخر (كقول البحتري: سُلِبُوْا) أي: ثيابُهم (وَأَشْرَقَتِ) أي: ظهرت (الدِمَاءُ عَلَيْهِمْ *) ملابسةً لإشراق شعاع الشمس (مُحْمَرَّةً) نَفَى به توهّمَ غلبةِ إشراق الشمس عليها (فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُسْلَبُوْا) لأنّ الدماء صارت كثيابٍ لهم (وقولِ أبي الطيِّب: يَبِسَ النَجِيْعُ) وهو الدم المائل إلى السَواد (عَلَيْهِ) أي: على السيف (وَهْوَ مُجَرَّدٌ *) أي: والحال أنّ السيف خارج (مِنْ غِمْدِهِ فَكَأَنَّمَا هُوَ مُغْمَدُ) أي: مجعول في الغِمْد؛ لأنّ الدم اليابس صارت كغِمْدٍ له, فسترُ الدم كان وصفًا للقتلى والجرحى في الأوّل فنقله المتنبّي إلى السيف (ومنه) أي: من غير الظاهر (أن يكون معنى) البيت (الثاني أشملَ) وأجمع من معنى البيت الأوّل


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

229