﴿إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ﴾ [المنافقون:١], ورُدّ بأنّ المعنى لكاذبون في الشهادة أو في تسميتها أو في المشهود به في زعمهم, الجاحظ مطابقته مع الاعتقاد وعدمها معه, وغيرُهما ليس بصدق ولا كذب بدليل ﴿أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ﴾ [سبا:٨]؛ لأنّ المراد بالثاني غيرُ الكذب لأنه قسيمه وغيرُ الصدق لأنهم لم يعتقدوه, ورُدّ بأنّ المعنى................................
تعالى: ﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ ﴾ حاصل استدلالهم به أنه تعالى إنما جعلهم كاذبين في قولهم: ½إنك لرسول الله¼ لعدم مطابقته لاعتقادهم, فعلم أنّ كذب الخبر عدم مطابقته لاعتقاد المُخبِر فصدقه مطابقته له (ورُدّ) هذا الاستدلال (بأنّ المعنى) أي: معنى الآية: أنّ المنافقين (لكاذبون في الشهادة) أي: في الخبر الذي تضمّنه شهادتهم وهو أنّ قولهم هذا من صميم قلوبهم كما يدلّ عليه تأكيدهم بـ½إنّ¼ واللامِ والجملةِ الاسميّة, ولمّا لم يكن هذا الخبر مطابقًا للواقع جُعِلوا كاذبين فيه (أو) المعنى أنهم لكاذبون (في تسميتها) أي: في تسميتهم هذا الإخبار شهادةً لأنّ الشهادة ما يكون على وفق الاعتقاد ولمّا لم يكن هذا الإخبار على وفق اعتقادهم لم يكن تسميتهم إيّاه شهادةً مطابقًا للواقع فجُعِلوا كاذبين فيها (أو) المعنى أنهم لكاذبون (في المشهود به) وهو قولهم ½إنك لرسول الله¼ لكن لا في الواقع بل (في زعمهم) الفاسد, يعني أنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا القول لعدم مطابقته للواقع, فالمعتبَر في الكذب إنما هو عدم المطابقة للواقع قال (الجاحظ) صدق الخبر (مطابقته) أي: مطابقة الخبر للواقع (مع الاعتقاد) أي: مع اعتقادِ أنه مطابِق له (و) كذب الخبر (عدمها) أي: عدم مطابقة الخبر للواقع (معه) أي: مع اعتقادِ أنه غير مطابق له (وغيرُهما) أي: غير هذَين القسمَين وهو أربعة: المطابقةُ للواقع مع اعتقاد عدم المطابقة أو بدون الاعتقاد, وعدمُ المطابقة له مع اعتقاد المطابقة أو بدون الاعتقاد (ليس بصدق ولا كذب) فهذا قسم ثالث للخبر (بدليل) قوله تعالى حكاية عن قول الكفار: ﴿ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ (أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ﴾) [سبا:٧-٨] حاصل استدلاله أنّ الكفار حصروا إخبارَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في الافتراء وفي الإخبار حالَ الجنون, فلا يكون الخبر منحصرًا في الصدق والكذب (لأنّ المراد بالثاني) أي: بالإخبار حالَ الجنون (غيرُ الكذب لأنه قسيمه) أي: لأنّ الثاني قسيم الافتراء وهو الكذب, وقسيم الشيء يجب أن يكون غيرَه (وغيرُ الصدق لأنهم) أي: الكفارَ (لم يعتقدوه) أي: لم يعتقدوا صدقَه فلا يريدون في هذا المقام الصدق, فيجب أن يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب حتّى يكون هذا منه بزعمهم (ورُدّ) هذا الاستدلال (بأنّ المعنى) أي: معنى قولهم ½أم به جنة¼