بحسَب الإنكار كما قال الله تعالى حكاية عن رسل عيسى إذ كُذِّبوا في المرّة الأولى: ﴿ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ ﴾ [يس:١٤], وفي الثانية: ﴿ إِنَّآ إِلَيۡكُمۡ لَمُرۡسَلُونَ﴾ [يس:١٦], ويسمّى الضرب الأوّل ابتدائيٍّا والثاني طلبيٍّا والثالث إنكاريٍّا وإخراجُ الكلام عليها إخراجًا على مقتضَى الظاهر, وكثيرًا مّا يخرج على خلافه, فيُجعَل غير السائل كالسائل إذا قدّم إليه ما يلوح له بالخبر فيستشرف له استشرافَ الطالب المتردِّد نحو: ﴿ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ﴾ [هود:٣٧], وغير المنكر كالمنكر إذا لاح عليه شيء من أمارات الإنكار
ووجب زيادة التأكيد (بحسَب الإنكار) أي: بقدر ازدياد الإنكار (كما قال الله تعالى حكاية عن رسل عيسى) على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام (إذ كُذِّبوا في المرّة الأولى: ﴿ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ ﴾) أكّد الحكم بـ½إنّ¼ والجملةِ الاسميّة لعدم مبالغة المخاطَبين في الإنكار (و) إذ كذبوا (في) المرّة (الثانية:) ﴿ رَبُّنَا يَعۡلَمُ إِنَّآ إِلَيۡكُمۡ لَمُرۡسَلُونَ ﴾) أكّد بالقسَم و½إنّ¼ واللامِ والجملةِ الاسميّة لمبالغتهم في الإنكار حيث قالوا: ﴿ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ ﴾ [يس:١٥] (ويسمّى الضرب الأوّل) من الخبر, وهو ما ألقي عند خلو الذهن عن الحكمِ والتردّدِ فيه (ابتدائيٍّا) لأنه واقع في الابتداء إذ الأصل خلو الذهن (و) الضرب (الثاني) وهو ما ألقي عند التردّدِ في الحكم والطلبِ له (طلبيٍّا) لأنه للطالب (و) الضرب (الثالث) وهو ما ألقي عند الإنكار (إنكاريٍّا) لوقوعه في مقابلة الإنكار (و) يسمّى (إخراجُ الكلام عليها) أي: على الضروب المذكورة (إخراجًا) للكلام (على مقتضَى الظاهر) أي: على مقتضى ظاهر الحال وهو أخصّ من مقتضى الحال (وكثيرًا مّا) أي: وزمانًا كثيرًا (يخرج) الكلام (على خلافه) أي: على خلاف مقتضى الظاهر (فيُجعَل غير السائل) عن أمر (كالسائل) عنه (إذا قدّم) ظرف لـ½يجعل¼ (إليه) أي: إلى غير السائل (ما يلوح له) أي: شيءٌ يُشِير لغير السائل (بالخبر) متعلِّق بـ½يلوح¼ (فيستشرف له) يعني: فينظر غير السائل للخبر (استشرافَ الطالب المتردِّد) مفعول مطلق للنوع (نحو: ﴿وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ) أي: لا تشفع يا نوح في دفع العذاب عن قومك, وقد تقدّم قوله تعالى: ﴿وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا﴾ [هود:٣٧] فصار المقام مقام أن يتردّد المخاطب في أنّ القوم هل حكم عليهم بالإغراق أم لا! فقيل: (إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ﴾) مؤكّدًا بـ½إنّ¼ (و) يجعل (غير المنكر) للحكم (كالمنكر) له (إذا لاح) أي: ظهر, ظرف لـ½يجعل¼ (عليه) أي: على غير المنكر (شيء من أمارات الإنكار) من فعل أو قول