لوَجَدنا أنّ أكثرَنا إن لم يكن الكلُّ إلاّ مَن رحِم ربّي، قد نَزَع عن نفسه وِسامَ العبوديّةِ لله تعالى وصار يَتصَرَّف تصرُّف الْمُتَحَرِّرين من عبوديَّته فما عادَ يَضْبِطه ضابِطٌ ولا عَادَ يَرْدَعه رادِعٌ من دينٍ ولا حياءٍ بل تَراهُ مُتطاوِلاً على سيّده ومَولاهُ مُستَغرِقًا في مُخالَفَةِ ما أمَرَه به وارتكابِ ما نَهاهُ عنه فصار في حقيقته عبدًا لشَهوَته وهواه لاهِثًا وَراءَ الفانياتِ وَالتُّرَّهاتِ مُنْشَغِلاً بِالدَّنايا والخبائثِ وقد دَعاهُ الله إلى الطّيِّباتِ والنَّفائسِ ولكن هذه عقوبةُ مَن أَعرَضَ عن عبادةِ الله وآثَرَ التّخلِّي عن طاعتِه أن يَصيرَ عبدًا رقيقًا ذليلاً مُحتَقِرًا لشهوتِه وهَواهُ أو لعبدٍ في العبودِيَّة ساواهُ فمن لم يَخدِم مَن يَستَحِقُّ الخدمة ومن لم يَعبُد من يَستَحِقُّ العبادة عُوقِبَ بخدمة مَن لا يَستحقُّ الخدمةَ وعبادةِ مَن لا يَستحقُّ العبادة ولكن هُناك كلمةٌ أُوَجِّهُها إلى من هذا حالُه، وأقول له: أَيْ أخي ! أما نأكُل رزقَ الله، أما نَسكُن بلاده، أما نَستظِلّ بسَمائِه أفيَحسُن أن نأكُل رزقه ونَسكُن أرضَه ونَستظِلّ بسمائه ثُمّ بعد ذلك نُخالِفُ أمرَه ؟! لا، واللهِ! بل يجِبُ علينا أن نكون في قِمَّةِ الامتثالِ لِما أمَرَ، وأن نكون عبيدًا حقًّا للهِ بكلِّ ما تَتَضَمَّنه كلمةُ العبوديّة وبكلِّ ما تَحتَمِله