أيها المسلمون: إنّ الله تعالى يمنَحُ أولياءه قوّةً عظيمةً في جوارحهم متعالية عن أفهام عامّة الناس فيتميَّزون عن العوَامِّ في الدنيا والآخرة ويُكْرِمُهم بفضائل جليلة كثيرة ويُعْطِيْهم من العلوم والمعارف والقُدْرَة العالية والْمَنـزِلة الرفيعة التي يَقدِرُون بها على التصرّف في الباطن والظاهر.
ومن بركات أمير المؤمنين وكراماته: قصّته مع نيل مصر ومراسلته إيّاه وجريانه بعد انقطاعه. فلَمّا فتَح المسلمون مصرَ أتَى أهلُها إلى سيّدنا عمرِو بن العاص رضي الله تعالى عنه حين دخَل يوم من أشهُر العجم فقالوا: أيّها الأمير، إنّ لِنيلنا هذا سُنّةً لا يجري إلاّ بها فقال لهم: «وما ذاك؟». قالوا: إذا كان إحدَى عشَرةَ ليلةً تَخْلو من هذا الشهر، عمَدْنا إلى جاريةٍ بِكْرٍ من أبَوَيْها فأَرضَيْنا أبَوَيْها وجعَلنا عليها من الْحُلِيّ والثِّيَاب أفضلَ ما يكون ثُمّ ألقَيْناها في هذا النيل. فقال لهم سيّدنا عمرو رضي الله تعالى عنه: إنّ هذا لا يكون أبَداً في الإسلام وإنّ الإسلام يَهْدِمُ ما كان قبله فأقاموا يومَهم والنيلُ لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتّى هَمُّوا بالْجَلاَء، فلَمّا رأى ذلك عَمرو رضي الله تعالى عنه كتَب إلى سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بذلك فكتَب أن قد أَصَبْتَ بالذي فعَلْتَ؛ لأنّ الإسلام يهدِمُ ما كان قبله وبعَث بِطَاقةً في داخل كتابه وكتَب إلى عَمرو: إنّي قد بعَثْتُ