عنوان الكتاب: المحاضرات الإسلامية (الجزء الثاني)

إليك بطاقةً في داخل كتابي إليك فأَلْقِها في النِّيل، فلَمَّا قدم كتابُ عمرَ إلى عمرو بن العاص أخَذ البطاقة ففتَحها فإذَا فيها: «من عبد الله عمر أميرِ المؤمنين إلى نيلِ أهل مصر أمّا بعدُ: فإن كنتَ تَجْري من قِبَلكَ فلا تَجْرِ وإن كان الله عزّ وجلّ يُجْرِيك فأسألُ الله الواحدَ الْقَهَّار أن يُجْرِيكَ». قال: فألقَى البطاقة في النيل قَبْلَ عيد الصَّلِيْب بيوم واحد وقد تهَيَّأَ أهلُ مصْرَ للجَلاَء منها؛ لأنّه لا تقوم مصلحتُهم فيها إلاّ بالنِّيل، فلمَّا ألقَى البِطَاقة أصبَحُوا يومَ الصَّلِيْب وقد أَجْراه الله عزّ وجلّ ستّةَ عشر ذِراعًا في ليلة واحدة وقطَع الله عزّ وجلّ تلك السنّة السيَّئة عن أهلِ مصْرَ إلى اليوم ببركة سيّدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه([1]).

أيها المسلمون: أرأيتم كيفَ كانَ المِصرِيونَ القُدماءُ يقدِّسونَ النِّيلَ ويتقَرَّبون إليه بأنواعِ القُرُباتِ لكي يزدَادَ مَاؤهُ، وإنّ من هذه القُرُبَات: إلقاء عروس مزيَّنة فيه كلَّ عامٍ، ولَمّا فُتِحَتْ مصرُ أبطَل المسلمون هذه العادة السيِّئة ولكن مع الأسف الشديد في هذه الأيّام عاد الاحتفالُ بوفاء النيل بمَراسم ومَظاهر لا تتَّفق مع القرآن والسنّة.

 



([1]) ذكره أبو الشيخ الأصبهاني (ت ٣٩٦هـ) في "كتاب العظمة"، باب صفة النيل ومنتهاه، صـ٣١٨، (٩٤٠).




إنتقل إلى

عدد الصفحات

259