وكان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم يتعَبّد قبل البعثة في غار حراء، في أعلى جَبَل النور الذي يَقَع شرق شمال مكّة الْمُكرَّمة على يمين الداخل إليها، فقد كان النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم يَخْلو فيه بنفسه، ويتفكّر في بديع مَلَكوت السموات والأرض، وينظر في آياته الكونية الدالّة على بديع صنعه وعظيم قدرته، ومُحْكَم تدبيره، وعظيم إبداعه.
ولَمّا بَلَغ النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم الأربعين من عُمْره ابْتعَثه الله تعالى برسالته إلى كافّة الناس بشيراً ونذيراً، فقام صلّى الله تعالى عليه وسلّم بأمر ربّه، وهذا لا يُخالف ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قالوا: يا رسول الله متى وجبت لك النبوّة؟ قال: «وآدم بين الرُّوح والْجَسَد»([1]). فالنبوّة ثابتة لسيدنا محمد صلّى الله تعالى عليه وسلّم في علم الله منذ الأزَل، وأنّه خاتَم الأنبياء، وأمّا ما كلّف به صلّى الله عليه وسلّم عند سنّ الأربعين فهو إظهار لما كان منذ الأزل في علم الله تعالى. وفي نَهَار يوم الاثنين من شهر رمضان المبارك نَزَل الوحي لأوّل مَرّة على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وهو في غار حِراء، حيث جاء جبريل عليه السلام فقال للنبي