فكان ذلك مِمَّا صَدَّ الْمُشْرِكِيْنَ عن دُخُوْلِ الْغَارِ، وقد وَرَدَ أنَّ حَمَامَ الْحَرَمِ مِنْ نَسْلِ تِلْكَ الْحَمَامَتَيْنِ جَزَاءً وِفَاقًا لِحِمَايَةِ رَسُوْلِ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم وصَاحِبِه الصِّدِّيْقِ رضي الله عنه فجُوْزِيَا بالنَّسْلِ والحِمَايَةِ في الْحَرَمِ، فلا يَتَعَرَّضْ له أَحَدٌ.
ثُمَّ أَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِن كُلِّ بَطْنٍ بعَصِيِّهم وهَرَاوِيهم وسُيُوْفِهم فجَعَلَ بَعْضُهم يَنْظُرُ في الْغَارِ، فرَأَى حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ على فَمِ الْغَارِ فرَجَعَ إلى أَصْحَابِه فقَالُوْا له: ما لَكَ؟ فقال: رَأَيْتُ وَحْشِيَّتَيْنِ فعَرَفْتُ أنَّه لَيْسَ فيه أَحَدٌ، وسَمِعَ رَسُوْلُ الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وأَبُوْ بَكْرٍ أَصْوَاتَهم، فخَافَ أَبُوْ بَكْرٍ، وَاشْتَدَّ خَوْفُه عِنْدَ ذلك فقالَ رَسُوْلُ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم: ﴿ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ ﴾ [التوبة: ٩/٤٠]. ودَعَا رَسُوْلُ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم، فنَزَلَتْ السَّكِيْنَةُ مِن الله عزّ وجلّ على سَيِّدِنا أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رضي الله تعالى عنه، وخَرَجَ النَّبِيُّ الْكَرِيْمُ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم مِن الْغَارِ إلى الْمَدِيْنَةِ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَوْمَ الاثْنَيْنِ في شَهْرِ رَبِيْعِ الأوَّلِ([1]).