الإسلام دين المودة والرحمة | محمد إلياس اليماني


نشرت: يوم السبت،24-يوليو-2021

الإسلام دين المودة والرحمة

فيما مضى من الزمان كانت حياة العرب خاصة وحياة البشرية عامة في ظلام وجاهلية عمياء، حيث شاع الظلم والشتم والعداوة والبغضاء، والفواحش والمنكرات وانتهاك الحرمات والقتل وسفك الدماء، فضلّ الناس عن طريق الهداية، وانطمست معالم الحق، وساد الظلم بينهم، وضاعت القيم، وانتهكت الحرمات، حتى جاء الإسلام ليخرج الناس من عبادة الأصنام وعبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن الجور والظلم إلى العدل والإنصاف، وليخرجهم من الظلمات إلى النور.

ولأن كل المنن والنعم التي أنعم الله بها على عباده ناقصة، ولا تكمل هذه النعم إلا بالإسلام، الذي جعله الله سبحانه وتعالى منهاجًا ودستورًا للبشرية كلها، فهو صراط مستقيم من ابتغى الهداية في غيره ضل وزاغ قال الله تعالى:

وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ. (الأنعام: ١٥٣)
والمراد بصراط الله: "طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده. (تفسير الطبري/١٢/ ٢٢٨)

رحمة الإسلام

الإسلام دين عزة وكرامة؛ قد تحققت له ولأهله العزة عبر التاريخ بالتبليغ، وحسن التطبيق للشريعة على ضوء ما شرع الله وليس بإراقة الدماء ولا بالشدة والتنفير، بل بالمودة والسماحة والتبشير، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك حيث انتشر الإسلام بالأخلاق الحسنة وحسن المعاملة، وبعث الله سبحانه وتعالى نبيه وحبيبه رسولنا الكريم ﷺ ليُتمّم مكارم الأخلاق، وارتبط الدين كلّه بالمعاملة؛ فهو دينُ الرحمة بشتَّى صوَرِها، وقد سبق الإسلامُ جميع القوانين في مكافحة الإرهاب وحماية البيئة والمجتمع من الشرور والفتن، وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وماله ودينه وعرضه وعقله، ولتحقيق ذلك منع الإسلام بغي الإنسان على الإنسان بشتى صورها وباختصار فقد جاء الإسلام بالمودة والرحمة ونبذ العنف والشدة، بل جاءت الشريعة الإسلامية كلها رحمة للعباد، ومن تجليات تلك الرحمات:

  1. رحمة الله تعالى بعباده
  2. وصف الله ربنا سبحانه وتعالى ذاته العلية بشتى الصفات التي تدلّ على العلو والكمال ولكن من أعظم صفاته تعالى هي الرحمة، فهو الرحيم بعباده وحده دون سواه، ورحمة الله لا تُماثل رحمة المخلوقين، لأنها وسعت الكون جميعه فلا يضاهيها شيء، قال تعالى: وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ ۚ.(الأعراف: ١٥٦) فهي شملت العالم بأسره وبها يتراحم الناس مع بعضهم ، وقد كثرت الآيات القرآنية الدالة على بيان سعة رحمته تعالى حتى أنها تتجاوز المائتي آية في القرآن الكريم، وبدأ القرآن بذكر هذه الصفة العظيمة حيث قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بعد آية واحدة من سورة الفاتحة قال: الرحمن الرحيم، فالرحمة صفة قائمة بالله سبحانه وتعالى: وشاملة لجميع الخلائق، فما من أحد في العالم العلوي أو السفلي إلا وهو يتقلب في رحمته تعالى آناء الليل وأطراف النهار قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير : كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ (الأنعام: ٥٤) أي أوجبها على نفسه الكريمة تفضلا منه واحسانا وامتنانا. (تفسير ابن كثير:٣/٢٦٢)

  3. رحمة النبي محمدﷺ للعاملين
  4. سيدنا وحبيبنا محمدﷺ متصف بالرحمة التي شملت الجن والإنس حتى الحيوانات، بل شملت البشرية بأكملها المؤمن والكافر، والبر والفاجر. فقال الله تعالى في حقه : وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ. (الأنبياء:١٠٧) عن ابن عبـاس قال: من آمن بـالله والـيوم الآخر كُتبت له الرحمة فـي الدنـيا والآخرة، ومن لـم يؤمن بـالله ورسوله عُوفِـيَ مـما أصاب الأمـم من الـخَسْف والقذف. (تفسير الطبري:١٨/ ٥٥٢)

    وقال الإمام السمرقندي في تفسيرها: ما بعثناك يا محمد إلاَّ رحمة للعالمين يعني: نعمة للجن والإنس ويقال للعالمين أي: لجميع الخلق لأن الناس كانوا ثلاثة أصناف مؤمن وكافر ومنافق، وكان رحمة للمؤمنين حيث هداهم طريق الجنة، ورحمة للمنافقين حيث أمِنوا القتل، ورحمة للكافرين بتأخير العذاب (بحر العلوم: ٢/ ٤٤٥)

    وَأَرسَلَهُ اللَهُ المُهَيمِنُ رَحمَةً***فَلَيسَ لَهُ في المُرسَلينَ مُماثِلُ

    فمن تصفح أو طالع السيرة النبوية العطرة وجدها مملوءة بالرحمة العظيمة والأخلاق الكريمة وخير مثال على ذلك يوم فتح مكة حين قال ﷺ اذهبوا فأنتم الطلقاء.(سبل الهدى والرشاد:٥/٢٤٢)

  5. حث الإسلام على الرحمة
  6. لذلك حث الإسلام أتباعه على الرحمة كعلاج لظاهرة الفتن والإرهاب التي انتشرت في شتى البلدان، لأن الدين الإسلامي دين المودة والرحمة لا يعرف التشدّد ولا الغلو ولا العنف، بل يحرّم الجريمة، لأن الإسلام رسالة خير وسلام ورحمة للبشرية كلها، وهو يدعو إلى التراحم، حتى جُعلت الرحمة أعظم سبب لدخول الجنة فلا يمكن دخولها إلا بها، وليس المطلوب قصر الرحمة على من نعرف من قريب أو صديق، ولكنها رحمة عامة تسع العامة كلهم، وأحاديث رسول اللهﷺ تبرِز هذه العموم في إسداء الرحمة، ومنها قول النبيﷺ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا رَحِيمٌ. قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ رَحْمَةُ الْعَامَّة. (المستدرك للحاكم: ٧٣١٠)

فالمؤمن يتميز باللين والرحمة، فيرق للضعيف، ويحن على المسكين، ويعاون المظلوم ويمد يده إلى الملهوف، وينفر من الإيذاء، نعم هكذا ينبغي أن يكون قلب المسلم المؤمن متصف بالعطف والرحمة فإذا ملئت القلوب بها ابتعدت عن الجريمة والإرهاب والاعتداء على الناس.

من أين جاء الطعن في الإسلام؟

فبعد ما اتضح لنا شيء عن رحمة الإسلام في كل شيء ولكل شيء إلا أن أعداء الإسلام -كعادتهم الخبيثة- يشنون الحملات التشويهية ويريدون بذلك التشكيك في الإسلام منتحلين في هذا الصدد سبيل الأباطيل والأكاذيب وقلب الحقائق فيتناولوه بالثلب والتجريح تارة والكذب والتدليس تارة أخرى، ولا شك أن هذا من قبيل الجهل بالإسلام وبنبي الإسلام محمدﷺ خاصة، أو من قبيل دافع الكراهية والحقد على الإسلام والمسلمين والكيد لهم...

فهذه الطائفة التي تحارب الإسلام عن رغبة وقصد وتُنكِر الفضائل والأخلاق عن عمدٍ ودرايةٍ، فهم يطعنون في الدين ويحاربونه ويصدون الناس عنه ويصفونه بالإرهاب والشدة...

حتى يقف المسلم حائرًا مدهوشًا أمام هذه التيارات المهاجمة للإسلام فيتساءل متعجبًا كيف لم تر أعينهم رحمة الإسلام؟ وكيف لم تظهر لهم صورته التي بينها نبي الإسلام محمدﷺ الذي كانت رسالته إنقاذاً للبشرية بأكلمها وكيف لم تدرك عقولهم الحق المبين؟!

فطُمس على قلوبهم فلم يعودوا يبصرون النور ولم يعودوا يرون الشمس بازغة... فلا نراهم إلا وقد قلّبوا الحقائق أباطيل وبدّلوا المحامد مثالب، ليصلوا إلى مقاصدهم الضالة في تشويه صورة الإسلام وتزييف حقائقه والنيل منه ومن نبينا وحبيبنا محمد ﷺ ولقد أحسن الإمام البوصيري رحمه الله إذ يقول:

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد***وينكر الفم طعم الماء من سقم

هل انتشر الإسلام بالسيف؟

من الشبهات التي يرددها أعداء الإسلام والمسلمين أكذوبة عظيمة هي أن الإسلام انتشر بالسيف، وأن من أسلم لم يدخل الإسلام طوعًا أو اختيارًا وإنما دخله بالجبر والإكراه والقهر والتسلط.....

والحقيقة أن التاريخ وجوهر الإسلام أكبر دليل على دحض هذه الأكذوبة، فهما يُكذّبان هذه الفرية أصلًا، فقد قال الله تعالى في محكم تنزيله: لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ . (البقرة:٢٥٦)

ومعلوم أن سبب نزول هذه الآية يوضح ما نقول: وقد ورد بأنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصّران قبل مبعث النَّبي ﷺ َ ثم قدما المدينة في نفر من النَّصارى يحملون الطَّعام فلزمهما أبوهما، وقال لا أدعكما حتى تسلما فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى رسول الله ﷺ َ فقال: يَا رَسُولَ اللهﷺ أَيَدْخُلُ بعضي النَّار وأنا أَنْظُرُ، فأنزل الله تعالى لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ . فخلى سبيلهما. (اللباب في علوم الكتاب:٤/٣٢٩)

وأيسر وأسهل من أن نستقصي الحروب ونتكلم على أسبابها لِنَعْيِ الحقائق، أن نلقي نظرة عامة على خريطة العالم في الوقت الحاضر لَنرى الأفراد والشعوب والقبائل التي دخلت دون أي حرب أصلًا، فمثلًا إندونيسيا والصين وماليزيا وسواحل القارة الإفريقية وما يليلها من سهول الصحاري الواسعة، لم تُحمَل السيوف فيها بتاتًا ومع ذلك أعداد المسلمين فيها هائلة وما زال العدد يزداد يومًا بعد يوم وكل ذلك بسبب رفعةِ أخلاق نبي الإسلام محمد ﷺ بالأخلاق الفاضلة وحث المسلمين عليها.

وشهد شاهد من أهله

ولكي تتضح لنا الصورة بشكل أكبر وأوضح لابد من استعراض أقوال غير المسلمين وبموجز يسير لبعض أقوالهم والتي توضح ما نقصده.

  1. يقول مُتَرجِم معاني القرآن جورج سيل: في مقدمة ترجمته الإنجليزية لمعاني القرآن التي صدرت عام ١٧٣٦م :"ومن قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط، فقوله تهمةٌ صرفة؛ لأن بلادًا كثيرة ما ذُكِرَ فيها اسم السيف، وشاع الإسلام فيها"
  2. ويقول الكاتب الغربي الكبير توماس كارليل في كتابه: إن اتهامه - أي رسول الله ﷺ - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخفٌ غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهِر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإن أكثر مَن آمن به كانوا لا يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها. (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه :٢٢٧)
  3. يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه "إن القوة لم تكن عاملاً في نشر القرآن، وإن العرب تركوا المغلوبين أحرارًا في أديانهم، والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سَمْحًا مثل دينهم، وقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرَض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام - إذن – بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قَهَرت العرب مؤخرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ولم يكن الإسلام أقل انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قَطُّ.
    (حضارة العرب : ١٢٨- ١٢٩)

لعل هذه الأقوال أبرز ما يميز الإسلام ويوضح صورته الحقيقة للعالم أجمع، فماذا بعد؟

فهل نبحث عن شيء آخر أو مثالًا أوضح من ذلك فخير مثال في ذلك انتشار الإسلام في أرجاء العالم في زمننا هذا بسبب الدعوة إلى الله بالمودة والرحمة وبالتخلق بالأخلاق الفاضلة، وكما تُشاهد وتَرى يوميًا ازدياداً في تعداد المسلمين، وبمجرد سماع الدعوة إلى الله من الدعاة عامة وخصوصاً من دعاة مركز الدعوة الإسلامية المنتشرين في أرجاء العالم أو بسماع الكلمات التوجيهية والتربوية من الشيخ الداعية الشيخ المربي محمد إلياس العطار القادري حفظه الله في المحاضرات والمذاكرات المدنية عبر قناة مدني المباشر.

إذن -الإسلام- إنما غزا القلوب وأسر النفوس بالدعوة الحسنة والأخلاق الطيبة، وإن كان بإمكان السيف أن يفتح أرضًا.. فليس بإمكانه أبدًا أن يفتح قلبًا!!

تعليقات



رمز الحماية