حِكَم الزكاة وآدابها | الشيخ المفتي محمد قاسم العطّاري


نشرت: يوم الثلاثاء،05-أبريل-2022

حِكَم الزكاة وآدابها

قال الله سبحانه وتعالى:

﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ﴾

ذُكرت الزكاةُ في هذه الآية بعد الصلاة مباشرة مع أنّها من أعظم أركان الإسلام، وجُعِلت الزكاةُ في الحديث ركنًا من الأركان الرئيسيّة للإسلام، وهي فريضة على كلِّ من يملك نصابها، وتركُها حرامٌ، ومعصيةٌ كبيرةٌ، بل يأثم من يؤخِّر أداءها بلا سببٍ شرعي.

حِكَم الزكاة

اعلم أنّ على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائفَ:

الوظيفة الأولى

: فهم وجوب الزكاة، ومعناها، ووجه الامتحان فيها، وأنّها لِم جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرّف ماليّ وليست من عبادة الأبدان، وفيه ثلاث معان:

المعنى الأوّل: أَنّ التلفّظ بكلمتَيِ الشّهادة التزامٌ للتوحيد، وشهادةٌ بإفراد المعبود، وشرطُ تمامِ الوفاءِ به أَنْ لا يبقى للمُوَحِّدِ محبوبٌ سِوَى الواحدِ الفردِ؛ فإنّ الْمحبّةَ لا تقبَل الشّركةَ، والتّوْحيدُ باللّسان قليلُ الجدْوَى، وإنّما يُمْتَحنُ به درجةُ المحب بمُفارقة الْمَحْبُوبِ، والْأموالُ مَحْبُوبَةٌ عِنْدَ الْخَلَائِقِ؛ لِأَنَّهَا آلةُ تمتعهم بالدنيا، وبسببها يأنسون بهذا العالم، وينفرون عَنِ الْموت مَعَ أنّ فيه لقاءَ الْمَحْبُوبِ، فَامْتُحِنُوا بِتَصْدِيقِ دَعْوَاهُمْ في الْمَحْبُوبِ، وَاستنزلوا عَنِ الْمَالِ الَّذِي هو مَرْمُوقُهُمْ وَمَعْشُوقُهُمْ، ولذلك قال اللّه تعالى:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ ﴾

وذلك بالجهادِ...، قيل لبعضهم: كَم يجب من الزكاة في مائتَيْ درهم؟ فقال: أمّا على العوامّ بحكم الشرع فخمسة دراهم، وأمّا نحن فيجب علينا بذل الجميع، ولهذا تصدّق سيّدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجميع ماله وسيّدنا عمر رضي الله تعالى عنه بشطر ماله.

المعنى الثاني: التّطهيرُ من صفَة الْبُخْلِ فإنّه من المهلكات، قال ﷺ:

ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ.

وقال تعالى:

﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٩﴾

وسيأتي في ربع المهلكات وجه كونه مهلكًا، وكيفية التقصّي منه، وإنّما تزول صفةُ البخل بأنْ تَتَعَوَّدَ بذل المال، فَحُبُّ الشَّيْءِ لا ينقطع إلّا بقهر النفس على مفارقته حتّى يصير ذلك اعتيادًا، فالزكاة بهذا المعنى طُهْرَةٌ أَيْ: تُطَهِّرُ صاحبَها عَنْ خَبَثِ الْبُخْلِ الْمُهلِك، وإنّما طهارته بِقَدرِ بذلِهِ وبقدرِ فرحِه بِإخراجِه، واستبشارِهِ بِصَرْفِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. كما يتضح من عمل الرسول الكريم ﷺ أنه إذا أعطى للآخرين ينفتح وجهه بفرح.

المعنى الثالث: شُكْرُ النِّعْمَةِ، فإنّ للَّه عزّ وجلّ على عَبْدِهِ نِعْمَةً في نفسه، وفي ماله، فَالْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ شُكْرٌ لِنِعْمَةِ الْبَدَنِ، وَالْمَالِيَّةُ شُكْرٌ لِنِعْمَةِ الْمَالِ.

بعض آداب الزكاة للمزكي

فعلى المزكّي أن يضع حِكم الزكاة السابقة في الاعتبار، وَلْيقم بمحاسبة النفس بأن يفكّر في نفسه:

هل أُنفِقُ المال امتثالًا لأوامر الله تعالى برضا النفس أم لا؟

وهل إنفاق المال في سبيل الله تعالى سهْلٌ على نفسي؟ فإن كان كذلك فهو علامةُ الخلاص من البخل.

هل أنقذني إخراج زكاتي من مرض البخل المهلك؟

هل أشعُر بالامتنان لله تعالى على نِعَم عليّ في إخراج الزكاة؟

في وقت الأداء، ومن آداب ذوي الدين التَّعْجِيلُ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ إِظْهَارًا لِلرَّغْبَةِ فِي الامْتِثَالِ بِإِيصَالِ السُّرُورِ إِلَى قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَمُبَادَرَةً لعوائق الزمان أن تعوقه عَنِ الْخَيْرَاتِ، وَعِلْمًا بِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ آفاتٍ مَعَ مَا يَتَعَرَّضُ الْعَبْدُ لَهُ مِنَ الْعِصْيَانِ لَوْ أَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ.

الوظيفة الثانية:

في وقت الأداء، ومن آداب ذوي الدين التَّعْجِيلُ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ إِظْهَارًا لِلرَّغْبَةِ فِي الامْتِثَالِ بِإِيصَالِ السُّرُورِ إِلَى قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَمُبَادَرَةً لعوائق الزمان أن تعوقه عَنِ الْخَيْرَاتِ، وَعِلْمًا بِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ آفاتٍ مَعَ مَا يَتَعَرَّضُ الْعَبْدُ لَهُ مِنَ الْعِصْيَانِ لَوْ أَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ.

الوظيفة الثالثة:

الإسرار، فإنّ ذلك أبعدُ عن الرياء والسمعة.

الوظيفة الرَّابِعَةُ:

أنْ يُظْهرَ حيث يعلم أنّ في إظهاره ترغيبًا للنّاسِ في الاقتداء، ويحرس سِرَّهُ من داعية الرياء.

الوظيفة الْخَامِسَةُ:

أَنْ لا يُفْسِدَ صدقتَهُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى، وقد قال سيّدنا سفيان رحمه الله تعالى: مَنْ منّ فَسَدَتْ صدقته، فقيل له: كيف المنّ؟ فقال: أن يذكره، ويتحدّث به، والأذى أن يعيره بالفقر.

الوظيفة السَّادِسَةُ:

أَنْ يستصغر العطيّة، فَإِنَّهُ إِنِ اسْتَعْظَمَهَا أُعْجِبَ بِهَا.

الوظيفة السَّابِعَةُ:

أَنْ ينتقيَ مِنْ مَالِهِ أَجْوَدَهُ، وَأَحَبَّهُ إِلَيْهِ، وَأَجَلَّهُ، وَأَطْيَبَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لا يقبل إلا طيّبًا.

الوظيفة الثامنة:

أن يطلب لصدقته مَنْ تَزْكُو بِهِ الصَّدَقَةُ.

فيختار بالعطاء الأتقياء أو العلماء أو الذين يحبُّون الله تعالى بصدقٍ من قلوبهم، سيماهم ‌في ‌وجوههم ‌من ‌أثر ‌السجود، ولا سيما الذين لا يسألون الناس إلحافًا أو الذين يخفون حاجاتهم من الناس أو أصحاب الأعداد من الأولاد، وكذا الذين لا يستطيعون كسب العيش لمرض أو لعذر، أو الفقراء من الأقارب لكي تجتمع مع الصدقة صلة الرحم أيضًا، وفي صلة الرحم ثواب لا يُعدُّ ولا يُحصى، ودفعُ الزكاة لخدمة الدين باعثٌ لأجرٍ مضاعفٍ، أحدهما: ثواب الصدقة، وثانيهما: خدمة الدين.

فإذا أنفق المالَ في سبيل الله تعالى بهذه الآداب نال بفضل الله البركات، والخيرات الكثيرة.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية