فضائل العشر من ذي الحجة | الشيخ عبد الباسط المحمد


نشرت: يوم الأَربعاء،29-يونيو-2022

فضائل العشر من ذي الحجة

قسّم الله تعالى الطاعات ووزّع العبادات على أوقات، وجعلها موصولة بعضها ببعض، ليدوم اتصال العبد بربّه جلّ وعلا، فإذا فتر المسلم في عبادته جاءته مناسبة من المناسبات يستطيع من خلالها أن يعوّض هذا الفتور والتقصير في العبادة، والكثير منّا قد فترت همّته بعد شهر رمضان المبارك، ولكن جاءت فترة التعويض ألا وهي: أيّام العشر الأولى من شهر ذي الحجّة، وقد وردت في فضائل هذه الأيّام آيات كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال عن السلف الصالح، ترغّب في اغتنامها وتحثنا على استثمارها في الإقبال على الله تعالى.

قال أحد العارفين رحمه الله تعالى: إنّ لله تعالى خواصّ في الأزمنة والأمكنة والأشخاص

ومِن جملة خصوصية الأزمنة عند الباري عزّ وجلّ العشر الأولى من أيّام شهر ذي الحجّة.

فضائل هذه العشر عظيمة وعديدة، من أهمها:

ــ قال تعالى:

﴿وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾

ومرّةً قال:

﴿فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ﴾

1- قال ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: في أيّام معلومات: أيّام العشر، وفي المعدودات: أيّام التشريق

وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبّران ويكبّر النّاس بتكبيرهما

2- قال سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه:

الأيّام المعدودات: أيّام التشريق

3- هي الليالي التي أقسم الله تعالى بها بقوله:

﴿وَٱلۡفَجۡرِ ١ وَلَيَالٍ عَشۡرٖ ٢﴾

قال عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما: هي العشر الأُوَل من ذي الحجّة

ــ وفي هذه العشر تجتمع أنواع من العبادات العظيمة، لا تجتمع في غيرها وهي: الحج، والأضحية، والصدقة، بالإضافة إلى الصلاة والصيام، قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمّهات العبادة فيه، وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره

ــ ومن فضائلها: أنّها من جملة الأربعين يوماً التي واعدها الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام:

﴿وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ﴾

ــ هي من أفضل أيام الدنيا: فعن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: أنّ رسول الله ﷺ قال:

"أفضل أيّام الدنيا العشر -أي: عشر ذي الحجة- قيل: ولا مثلهنّ في سبيل الله تعالى؟ قال: ولا مثلهنّ في سبيل الله تعالى إلا رجل عُفِّرَ وَجهُهُ في التراب"

ــ في هذه الأيّام يوم عرفة: وهو اليوم المشهود في قوله تعالى:

﴿وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ ٣﴾

وهو اليوم الذي أكمل الله تعالى لنا فيه الدين وأتمّ علينا فيه النعمة فأنزل فيه آية:

﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾

وهو اليوم الذي يباهي الله تعالى فيه بأهل الموقف أهل السماء، فعن سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، أنّ النبي ﷺ كان يقول:

"إنّ الله عز وجل يباهي ملائكتَه عَشِيَّةَ عرفة بأهل عرفةَ، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شَعثاً غُبراً"

ــ ومن فضائلها: أنّ فيها يوم النحر، يوم الحج الأكبر، وهو من أعظم الأيّام عند الله تعالى، كما في الحديث:

"إنّ أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثمّ يوم القرِّ"

يوم القرّ: هو اليوم الذي يلي يوم النحر، سمّي بذلك؛ لأنّ الناس يقرّون فيه بمنىً، بعد أنْ فرغوا من طواف الإفاضة والنحر واستراحوا

ــ هذه العشر هي خاتمة الأشهر المعلومات -أشهر الحج- التي قال الله تعالى فيها:

﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ﴾

وهي: شوّال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، كما روي ذلك عن كثير من الصحابة منهم: سيدنا عمر وابنه عبد الله، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين، وهو قول كثير من التابعين

فهي ختام أشهر الحج، وختامه مسك، فهناك الحجّاج في بيت الله الحرام في تلك الأماكن المقدّسة التي تهفو إليها القلوب المؤمنة، يطوفون ويلبّون ويدعون ويكبّرون ويتعبّدون، لم يكتب الله تعالى أن نكون معهم، فعوّضنا عن ذلك باغتنام هذه الأيام والليالي المباركة، بالإقبال على الله تعالى بالتوبة الصادقة والصيام، وبكثرة الدعاء والالتجاء إليه، وكثرة الصلاة على نبيّه ﷺ، والدعاء أن يشركنا الله تعالى في ثواب الحجّاج وفي أجرهم.

ــ فرائض الأعمال في هذه العشر أفضل من الفرائض في غيرها، ومضاعفتها أكثر، والنوافل فيها أفضل من نوافل غيرها، لكن نوافل العشر ليست أفضل من فرائض غيرها

لذلك فالصلاة في هذه العشر أفضل من الصلاة في سائر السَّنَة، وكذا الصيام، وقراءة القرآن، وصلة الرحم، وبرّ الوالدين، وإطعام الطعام، وقضاء حوائج الناس، وغيرها من الأعمال الصالحة والأعمال التي يتعدّى نفعها للآخرين.

السؤال

الهامّ الآن: ماهي أفضل الأعمال التي يقوم بها العبد في مناسبة هذه الأيام والليالي المباركة؟

وجوابه:

• لا شك بأنّ أفضل عمل يتقرّب به العبد إلى الله تعالى في سائر الأوقات ولا سيّما في المناسبات الدينيّة: هو ترك المعاصي ما ظهر منها وما بطن؛ لأنها أيام فاضلة ولها حُرمة، بل هي من الأشهر الحرم التي تعظم فيها السيّئات كما قدّمنا، فلا بدّ أن نستقبل هذا الموسم بالتوبة الصادقة، ونكفّ ألسنتنا عن القيل والقال، ونكفّ أبصارنا عن محارم الله تعالى في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الطرقات استجابةً لأمر ربنا عز وجل:

﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ﴾

• ، فإنّ هذه المعصية اعتادها الكثير والعياذ بالله تعالى، ونكفّ عن سماع الغيبة والنميمة والغناء والموسيقى، وهذه الأمور مطلوبة من العبد أن يكفّ عنها في سائر الأوقات ولكن في زمن المناسبات الدينيّة تكون أشدّ تأكيداً.

• أن نغتم أوقاتنا في هذه الليالي والأيام المباركة في ذكر الله تعالى، فإنها من أفضل العبادات في هذه المناسبة الكريمة:

﴿وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ﴾

وقد ثبت عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبي ﷺ قال:

"ما من أيّامٍ أعظم عند الله تعالى، ولا أحبّ إليه العمل فيهنّ من الأيام العشر، فأكثروا فيهنّ التهليل والتكبير والتحميد"

• صيام هذه الأيام للمستطيع، وقد ورد ما يدلّ على صيامها، فعن هُنَيدَةَ بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبيّ ﷺ قالت:

كان رسول اللّه ﷺ يصوم تسع ذي الحجّة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيّام من كلّ شهر، أوّل اثنين من الشهر والخميس

ومن لم يستطع صيام تسعة أيام، فلا يُفوّت صيام يوم عرفة، الذي يكفّر ذنوب سنتين كاملتين، فقد جاء في الحديث أنّ النبي ﷺ سُئِلَ عن صوم يوم عرفة؟ فقال:

"يُكفِّر السّنةَ الماضيةَ والباقيةَ"

• التقرّب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، فمن يقدر فعليه ألاّ يحرِم نفسه منها يوم العيد، حيث سئل الحبيب المصطفى ﷺ: أيّ الأعمال أفضل؟ قال:

"العجّ والثجّ"

ومعنى العج: التلبية. والثجّ: النحر أي: تقديم الأضاحي. وهذا كما قال سيدنا وكيع رحمه الله تعالى: يعني بالعج: العجيج بالتلبية، والثج: نحر البُدْن

ختاماً

الواجب على كلّ مسلم عاقل أن يغتنم هذه الأيام والليالي، وأن يتعرّض لنفحات الله تعالى فيها لينال الجنّة والرضوان، نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على اغتنام مواسم الخيرات على الوجه الذي يرضيه عنّا.

إنه سميعٌ مجيب، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية