الأم هي المدرسة الأولى | أم حيان العطارية


نشرت: يوم الجمعة،12-يوليو-2024

الأم هي المدرسة الأولى

الأمومة هي المهمة العظيمة التي أولاها الله تعالى لكل أنثى، جعل الجنة تحت أقدامها؛ لأن عملها ليس بالأمر الهين، إنها تربّي الأجيال وهذه مسؤوليتها الأولى التي لا يستطيع الرجل أن يقوم مقامها، لكن إن غاب الأب قامت الأم بدور الأب والأم.

كلما زاد الجهد والتعب كلما كانت المكافأة عظيمة، فرضاها ليس من عبث؛ لأن ما تبذل به من صحتها وراحتها ووقتها عظيم فكان الأجر عظيمًا، لكن مهام الأم التي تُنشّئ وتربّي على طاعة الله تعالى هي الأم التي تستحق الأجر والثواب.

فكل إنسان مهما تعلم في هذه الحياة ومهما خاض من تجارب اجتماعية، فإنه سيبقى لديه فراغ ونقص في أمر عظيم، ألا وهي تربية أمه، والعكس كذلك تمامًا فكم من أناس لم يتعلموا ولم يدخلوا مدارس أو جامعات لكنك تراهم في قمة الأدب والتربية، والسبب في ذلك تربية الأم العظيمة التي تلقاها في صغره عنها ونشأ عليها.

ولقد صدق الشاعر حافظ إبراهيم حين قال:

"الأمّ مدرسةٌ إذا أعددتها*****أعدتّ شعبًا طيب الأعراق"

فأي إنسان أخذ القدر الكافي من الرعاية والتربية في جو عائلي هادئ تسوده المحبة واللطافة، كانت له فيما بعد شخصية مميزة وكان لأمه الدور الأول في التأثير الكبير؛ لأن الوقت الذي يقضيه الطفل مع أمّه كبير، وإذا رجعنا إلى أسباب سوء الأخلاق والقتل والعدوانية وأسباب اكتظاظ السجون من أصحاب الجرائم والسرقات لرأينا السبب الأساسي هو عدم تلقيهم التربية الصالحة في جو الأسرة اللطيفة ذات المحبة والوداد، كل هذه الأسباب تجعل المجتمع فاسدًا، وفساد الأم يعني فساد المجتمع بأكمله، فلذا كانوا قديمّا يحثون على الأدب ويتعلمون من شيوخهم الأدب قبل العلم، ومما ورد عن عمر رضي الله عنه قال: تأدبّوا ثم تعلموا (الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح الصالحي: 5/552).

والأدب يكون في حسن التربية التي تلقاها الطفل من أمه، قال عبد الله بن المبارك: «نحن إلى قليل من الأدب، أحوج منا إلى كثير من العلم» (الرسالة القشيرية: 2/447)

من ترعرع في بيئة مؤدبة اعتاد على حسن الخلق بقية عمره لذا كانت مهمة الأم مهمة عظيمة وشاقة، وهي أكثر الناس التصاقا بابنها والأب خارج البيت غالبا، والإسلام أكرم الأم وبيّن فضلها وأجرها، والرسول صلى الله عليه وسلم وصّى بها في الحديث: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:

قال رجل: يا رسول الله! مَن أَحَقُّ بحُسْنِ الصحبة؟ قالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثم أدناك أدناك (صحيح مسلم: صـ 1058، (6501))

نعم الأم هي المعلمة الأولى والمدرسة الأولى إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع، في زمن كثرت فيه السفاهة والسذاجة.

للأسف! ماذا نتأمل جيلًا تلقّى تربيته من المسلسلات والجوالات وما يظهر فيها من تفاهات وسوء أدب وعدم احترام للقيم الإسلامية والعادات والتقاليد، أصبح ذاك الجيل لهم قدوة من مشاهير ونجوم فن هابط، إذا تغيّب دور الأم الصالحة المربية غابت القيم وضاع الجيل.

ومهما أراد الغرب والشرق أن يعطي للمرأة مكانة في المدافعة عن حقوقها وجعلهم لها يومًا عالميًا سمّوْه: "اليوم العالمي للمرأة"، وجعلوا لها عيدًا آخر سمّوْه: عيد الأم، فلن يوفّوها حقّها بذلك، بل لم يكرموها كما أكرمها الإسلام الذي جعل طاعة الوالدين بعد عبادة الله عز وجل فقال الله تعالى:

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [ النساء: 36]

إذا رجعنا إلى سير العظماء الذين اشتهروا بالعلم والفضل والتقوى والورع وجدنا أن وراءهم أمًّا عظيمة ربّتهم، وهناك كتب ألفتْ في هذا المجال عن عظماء ربّتهم أمهاتُهم، وفعلا صدق من قال وراء كل رجل عظيم امرأة، نعم! إنها الأم المدرّسة والمربّية الأولى لكل طفل.

وعندما قال سيدنا إسماعيل لأبيه سيدنا إبراهيم عليهما السلام حين أراد ذبحه: يا أبت افعل ما تؤمر.

كان السر في ذلك أمه هاجر رضي الله عنها التي تركها سيدنا إبراهيم في الصحراء هي وابنها، فقالت: آلله أمرك بذلك قال نعم فقالت اذهب فلن يضيعنا الله!!

خرج من هذه المرأة العظيمة ولد قال لأبيه: افعل ما تؤمر (الصافات: 102)

وكم وكم هناك رجال عظماء خدموا الأمة الإسلامية واشتهروا بالعلم والفضل وإذا رجعنا إلى ماضيهم رأينا بأنه قد ربتهم أمهاتهم وأغلبهم نشؤوا يتامى وتولت الأم تربيتهم أحسن تربية وخدموا الإسلام عبر العصور ومن هؤلاء سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، نظر أبو سفيان يومًا إلى معاوية رضي الله تعالى عنهما وهو غلام فقال لهند رضي الله عنها: إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه، فقالت هند رضي الله عنها: قومه فقط، ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة (البداية والنهاية: 8/118) ، فأصبح أمير المؤمنين.

وكذلك الإمام مالك رحمه الله تعالى كان يعجب في نشأته بالمغنين فأمه هي التي جعلته يلتفت للدين ويطلب الفقه، وكانت تقول له اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه، وربيعة بن عبد الرحمن كذلك أمه هي التي ربته.

أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد مات والده وهو صغير، وأمه من سعت في تربيته وحفزته ليسعى في طلب العلم وأعانته ووفرت له السبل، وقد أرسلته إلى البادية لتلقي اللغة العربية الفصحى، وبعد ذلك أرسلته إلى الفروسية ثم إلى أئمة العصر في الفقه والعلم، وسيدنا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وصاحب المذهب الشافعي في الفقه وقد كان رحمه الله تعالى يقول:

كُنْتُ يَتِيْمًا فِي حَجْرِ أُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَا تُعْطِينِي لِلْمُعَلِّمِ، حَفِظْتُ القُرْآنَ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ وَحَفِظْتُ المُوَطَّأَ وَأَنَا ابن عشر (سير أعلام النبلاء: 10/11) (توالي التأسيس: 50)

والإمام مالك رحمه الله قد أجاز الإمام الشافعي في الفتوى وهو ابن خمسة عشر عامًا، ومثل ذلك كثير جدًا كصلاح الدين وعمر بن عبد العزيز والشيخ عبد القادر الجيلاني وابن حجر العسقلاني وكثير غيرهم رحمهم الله تعالى لا يمكن ذكرهم في هذا المقام، لذا وصى رسول الله ﷺ الرجل إذا اختار امرأة للزواج أن تكون ذات دين وخلق؛ لأنها هي من ستربّي، ففي الحديث النبوي:

"فاظفر بذات الدين تربت يداك" (صحيح مسلم: صـ 593، (3635))

أخيرًا!

المجتمع الغربي عمل كل جهده على إفساد المرأة لتتفلت من دينها لأنه يعلم يقينًا أنها إذا فسدت فسد المجتمع بفساد أولادها وهكذا يخططون وينادون ليلاً ونهارًا في حريتها، وكأنها أمَة مستعبدة وهم من سيحررها، ويستخدمون لذلك ألفاظًا جميلة مزيفة، تنساق لها النساء الجاهلات بحال المرأة المهانة في الغرب التي تعمل مثل الرجل في أعمال لا تناسب أنوثتها سواء كانت حاملا أو مريضة لا تترك عملها؛ لأنه ليس لديها رجل يتحمل عنها المسؤولية، لكن الإسلام كرمها وجعل الأب يرعاها إن كانت بنتا، والأخ يُسأل عنها إن لم يكن الأب ويقوم بشؤونها وكذلك زوجها، لقد أدخلوا في أذهان النساء أن هذه الرعاية والقوامة هي استعباد للمرأة، وليس هذا إلا تكريماً لها، ولا يوجد دين أو قانون في العالم قد أعطى المرأة حقها وأكرمها كما أكرمها الإسلام. نسأل الله أن يرد نساءنا إلى دينهن "الإسلام" ردًّا جميلاً.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية