فَلَمْ يَخِبِ * كَالْغَيْثِ إِنْ جِئْتَهُ وَافَاكَ رَيِّقُهُ * وَإِنْ تَرَحَّلْتَ عَنْهُ لَجَّ فِي الطَلَبِ, وإمّا مفصّل وهو ما ذكر وجهه كقوله: وَثَغْرُهُ فِيْ صَفَاءٍ * وَأَدْمُعِيْ كَالَلآلِيْ, وقد يتسامح بذكر ما يستتبعه مكانه كقولهم للكلام الفصيح: ½هو كالعسْل في الحلاوة¼ فإنّ الجامع فيه لازمها وهو ميل الطبع, وأيضًا إمّا قريب مبتذَل وهو ما ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادي الرأي لكونه أمرًا جُمْليًّا فإنّ الجملة أسبق إلى النفس أو قليلَ التفصيل مع غلبة حضور المشبّه به في الذهن عند حضور المشبّه لقرب المناسبة
(فَلَمْ يَخِب *) ظنّي فيه (كَالْغَيْثِ) أي: كالمطر الواسع (إِنْ جِئْتَهُ وَافَاكَ) أي: جاءك (رَيِّقُهُ *) أي: أوّله وأحسنه (وَإِنْ تَرَحَّلْتَ عَنْهُ) أي: فررت من الغيث (لَجَّ) أي: بالغ (فِي الطَلَبِ) وأدركك مع فرارك منه, فوَصَف الشاعرُ المشبّهَ أي: الممدوح بأنّ عطاياه فائضة عليه حالتي الإعراض وعدمه ووَصَف المشبّهَ به أي: الغيث بأنه يصيبك حالتي المجئ وعدمه وهذان الوصفان يدلاّن على وجه الشبه وهو الإفاضة في حالتي الطلب وعدمه (وإمّا) تشبيه (مفصّل) معطوف على قوله ½إمّا مجمل¼ (وهو) أي: التشبيه المفصّل (ما) أي: تشبيهٌ (ذكر وجهه كقوله: وَثَغْرُهُ فِيْ صَفَاءٍ * وَأَدْمُعِيْ كَالَلآلِيْ) أي: كالجواهر الصافية (وقد يتسامح بذكر ما يستتبعه مكانه) أي: قد يذكر مكان وجه الشبه ما يستلزمه تسامحًا (كقولهم للكلام الفصيح ½هو كالعسْل في الحلاوة¼) ففي جعل الحلاوة وجه الشبه بينهما تسامح (فإنّ) أي: لأنّ (الجامع فيه) أي: في هذا التشبيه (لازمها) أي: لازم الحلاوة لا الحلاوة (وهو ميل الطبع) وهو المشترك بين الكلام والعسل (وأيضًا) التشبيه باعتبار وجه الشبه (إمّا) تشبيهٌ (قريب مبتذَل وهو) أي: التشبيه القريب المبتذَل (ما) أي: تشبيهٌ (ينتقل فيه) الذهن (من المشبّه إلى المشبّه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه) علّة للانتقال من غير نظر دقيق (في بادي الرأي) أي: في ظاهره, ثمّ ظهور الوجه في بادي الرأي إمّا يكون (لكونه) أي: لكون وجه الشبه (أمرا جُمْليًّا) نسبة إلى الجُمْلة أي: لكونه أمرًا مُجمَلاً والمراد بالمجمل هنا ما لا تفصيل فيه (فإنّ) أي: لأنّ (الجملة أسبق إلى النفس) من التفصيل ألا ترى أنّ إدراك الإنسان باعتبار أنه جسم أسهل من إدراكه باعتبار أنه جسم نام حَسّاس متحرّك بالإرادة ناطق (أو) يكون لكونه (قليلَ التفصيل) ولكن لا يكفي في ظهور وجه الشبه بل يجب أن يكون (مع غلبة حضور المشبّه به في الذهن) متعلِّق بالحضور (عند حضور المشبّه) فيه, ظرف للغلبة (لقرب المناسبة) بينهما, علّة للغلبة