فَقُلْتُ کَلاَّ وَلَکِنْ مَطْلَعَ الْجُوْدِ, وقد يُنتقَل منه إلى ما لا يلائمه ويسمّى الاقتِضابَ وهو مذهبُ العَرَب الجاهِلِيَّة ومَن يليهم من المُخَضْرَمِين كقوله: لَوْ رَأَى الله أَنّ فِي الشَيْبِ خَيْرًا * جَاوَرَتْهُ الأَبْرَارُ فِي الْخُلْدِ شِيْبَا * كُلَّ يَوْمٍ تُبْدِيْ صُرُوْفُ اللَيَالِي * خُلُقًا مِنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ غَرِيْبَا, ومنه ما يقرب من التخلّص كقولك بعدَ حمدِ الله تعالى: ½أمّا بعدُ¼ قيل: وهو فصْلُ الخِطاب, وكقوله تعالى: ﴿ هَٰذَاۚ وَإِنَّ لِلطَّٰغِينَ لَشَرَّ مََٔابٖ﴾ [ص:٥٥] أي: ½الأمر هذا¼ أو ½هذا كما ذُكِرَ¼, وقوله تعالى: ﴿ هَٰذَا ذِكۡرٞۚ وَإِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ
لَحُسۡنَ مََٔابٖ﴾ [ص٤٩], ومنه.........................
أن تقصد بنا المحلَّ المشارَ له بقوله تعالى: ﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَطۡلِعَ ٱلشَّمۡسِ ﴾ [الكهف:٩٠] (فَقُلْتُ کَلاَّ) ردع للقوم أي: لا أطلب بكم مطلع الشمس (وَلَکِنْ) أطلب بكم (مَطْلَعَ الْجُوْدِ) وهو عبد الله بن طاهر, فقد انتقل من مطلع الشمس إلى الممدوح الذي سمّاه مطلع الجود مع رعاية المناسبة بينهما فكان من حسن التخلّص (وقد يُنتقَل منه) أي: ممّا ابتدئ به الكلام (إلى ما لا يلائمه) أي: إلى مقصود لا يناسبه (ويسمّى) هذا الانتقالُ (الاقتِضابَ وهو) أي: الاقتِضابُ (مذهبُ العَرَب الجاهِلِيَّة) وهم الذين لم يدركوا الإسلام كامرئ القيس وزهير بن أبي سُلْمَى وطرفة وعنترة (و) مذهبُ (مَن يليهم من المُخَضْرَمِين) وهم الذين أدركوا الجاهليّة والإسلام كحسّان بن ثابت ولبيد وكعب بن زهير (كقوله) أي: قول أبي تمّام من الشعراء الإسلامية (لَوْ رَأَى) أي: علم (الله أَنّ فِي الشَيْبِ خَيْرًا * جَاوَرَتْهُ الأَبْرَارُ) أي: خيارُ الناس, والضمير لله تعالى (فِي الْخُلْدِ) أي: الجنّة (شِيْبَا *) جمع أَشْيَب بمعنى شائِب وهو حال من الأبرار (كُلَّ يَوْمٍ تُبْدِيْ) أي: تُظهِر (صُرُوْفُ اللَيَالِي *) أي: حوادثها (خُلُقًا) أي: طبيعةً حسنةً (مِنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ غَرِيْبَا) لا يوجد له نظير, صفة لـ½خُلُقًا¼, فقد انتقل من ذمّ الشَيب في البيت الأوّل إلى مدح أبي سعيد ولا مناسبة بينهما (ومنه) أي: ومن الاقتضاب (ما) أي: انتقالٌ (يقرب من التخلّص) في كونه يخالطه شيء من المناسبة (كقولك بعدَ حمدِ الله تعالى: ½أمّا بعدُ¼) فهو اقتضاب فيه نوعُ مناسَبة (قيل: وهو) أي: قولك ½أمّا بعدُ¼ (فصْلُ الخِطاب) لأنّ المتكلّم يفتتح بتحميد الله تعالى فإذا أراد الخروج منه إلى الغرض المسوق له الكلام فصل بينهما بقوله ½أمّا بعدُ¼ (وكقوله تعالى) معطوف على قوله ½كقولك¼ أي: الاقتضاب القريب من التخلّص قد يكون بلفظِ ½هَذَا¼ كقوله تعالى: (﴿هَٰذَاۚ وَإِنَّ لِلطَّٰغِينَ لَشَرَّ مََٔابٖ﴾) فهو اقتضاب فيه نوع ارتباط لأنّ الواو للحال, ولفظ ½هَذَا¼ إمّا خبرٌ محذوفُ المبتدأ (أي: ½الأمر هذا¼ أو) مبتدأٌ محذوفُ الخبر أي: (½هذا كما ذُكِرَ¼ و) كـ(قوله تعالى: ﴿ هَٰذَا ذِكۡرٞۚ وَإِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ لَحُسۡنَ مََٔابٖ﴾) بذكرِ خبرِ ½هَذَا¼ (ومنه) أي: ومن الاقتضاب القريب من التخلّص