يَقُوْلُ حُجَّةُ الإسلامِ أَبُو حامِدٍ الْغَزَالِيُّ رحمه الله تعالى: قِيْلَ: خَرَجَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ رحمه الله تعالى إلى ضَيْعَةٍ لَهُ، فنَزَلَ على نَخِيْلِ قَوْمٍ وفِيْهِ غُلاَمٌ أَسْوَدُ يَعْمَلُ فِيْهِ إذْ أُتِيَ الْغُلاَمَ بغِذَائِه وهِيَ ثَلاَثَةُ أَقْرُصٍ، فدَخَلَ الْحَائِطَ (الْبُسْتَانَ) كَلْبٌ، ودَنَا مِنَ الْغُلاَمِ فرَمَى إلَيْه الْغُلاَمُ بِقُرْصٍ مِنْهَا، فأَكَلَهُ الْكَلْبُ، ثُمَّ رَمَى إِلَيْه بالقُرْصِ الثَّانِي والثَّالِثِ فأَكَلَهُما الْكَلْبُ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَنْظُرُ إلَيْه، فقَالَ: يا غُلاَمُ، كَمْ قُوْتَكَ كُلَّ يَوْمٍ؟ قالَ: ما رَأَيْتَ، قالَ: فلِمَ آثَرْتَ هَذَا الْكَلْبَ على نَفْسكَ؟ قالَ: إنَّ هَذِه الأَرْضَ لَيْسَتْ بأَرْضِ كِلاَبٍ (أَيْ: لا يُوْجَدُ فِيْهَا كلابٌ على الأَغْلَب)، وإِنَّهُ جاءَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيْدَةٍ جائِعًا فكَرِهْتُ أَنْ أَشْبَعَ وهُوَ جائِعٌ، قالَ لَهُ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ: فمَا أَنْتَ صانِعٌ الْيَوْمَ؟ قالَ الغلامُ: أَطْوِي يَوْمِي هَذَا (أَيْ: لا آكُلُ شَيْئًا وأَصْبِرُ على الْجُوْعِ)، فقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ: أُلاَمُ على السَّخَاءِ إِنَّ هذا الْغُلاَمَ لأَسْخَى مِنِّي فاشْتَرَى النَّخْلَ واْلغُلاَمَ ومَا فِيْهِ مِنَ الآلاَتِ وأَعْتَقَ الْغُلاَمَ ووَهَبَ لهُ كُلَّ ذلك[1].