وأَنْتُمْ تَكْرَهُوْنَ الإيْثَارَ على الرَّغْمِ مِنْ أَنَّكُمْ بشَرٌ»، فيَا لَلأَسَف كم أضعنا من أخلاق سلفنا الصالح بما في ذلك الإيثار.
يَقُوْلُ سَيِّدُنَا حُذَيْفَةُ رضي الله تعالى عنه: اِنْطَلَقْتُ في مَعْرَكَةِ الْيَرْمُوْكِ أَبْحَثُ عَنْ اِبْنِ عَمٍّ لِي، ومَعِيَ شَيءٌ مِنْ مَاءٍ، وأَنَا أَقُوْلُ: إِنْ كانَ به رَمَقٌ سَقَيْتُهُ، ومَسَحْتُ به وَجْهَهُ، فإذَا أَنَا به، فقُلْتُ: أَسْقِيْكَ؟ فأَشَارَ إلَيَّ أَنْ نَعَمْ، فإذَا رَجُلٌ يَقُوْلُ: آه، فأَشَارَ اِبْنُ عَمِّي إِليَّ أَنْ أَنْطَلِقَ به إلَيْه، فجِئْتُهُ، فإذَا هو هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، فقُلْتُ: أَسْقِيْكَ؟ فسَمِعَ به آخَرَ، فقَالَ: آه، فأَشَارَ هِشَامٌ أَنْ أَنْطَلِقَ به إلَيْه، فجِئْتُهُ، فوَجَدْتُهُ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إلى هِشَامٍ، فوَجَدْتُهُ قَدْ مَاتَ فرَجَعْتُ إلى اِبْنِ عَمِّي فوَجَدْتُهُ قَدْ مَاتَ رضي الله تعالى عنهم[1].
أخي في الله:
أَرَأَيْتَ كَيْفَ أَنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يُقَدِّمُ حاجَةَ غَيْرِهِ على حاجَتِهِ وإن كانت ضروريَّة فعجبًا لهذا الإيْثَارِ العجيب الذي ظهر من أناس يُحتَضَرُونَ، وهم بأمس الحاجة إلى شَرْبَةِ مَاءٍ.
[1] ذكره الغزالي في "إحياء العلوم"، كتاب ذم البخل وذم حب المال، بيان الإيثار فضله، ٣/٣١٨، و"كيمياء سعادت"، ٢/٦٤٨.