مدونات مختارة
الأكثر شهرة
الفَجْوَة بين الآباء والأبناء | الشيخ محمد مسلماني
إننا حين نتأمّل حال أمتنا ومجتمعاتنا وأسرنا اليوم؛ فإن القلب ليتألّم مما يرى ويسمع من تفكّك أسري، وشتات اجتماعي، وعدم انتظام في العلاقات، وذلك لأسباب متعددة، منها:
• عدم اهتمام الآباء بالأبناء
• عقوق من الأبناء للآباء
• وخلافات واختلافات بين الأزواج والزوجات
قبل الخوض في التفاصيل المتعلقة بعلاقة الآباء بالأبناء لا بدّ أن نضع قاعدة أساسية لبحثنا ننطلق منها لنحل من خلالها جميع المشاكل الفرعية المتعلقة بهذا الموضوع الاجتماعي الأسري المهم، القاعدة هي:
عَلّم ولدَك القرآن، والقرآن سيعلّمه كلَّ شيء.
إن أسباب "الفجوة" أو نقول بتعبير آخر: "الجفوة بين الآباء والأبناء"، بل وسبب كل مشكلة هو البُعد عن شريعة الله المطهرة؛ أنزل الله تبارك وتعالى القرآنَ على سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم وأمره أن يبين للناس ما نزّل إليهم، وهو أعظم الكتب السماوية وأجمعها وأفضلها وآخرها، وقد مدحه سبحانه وتعالى فقال:
لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢ [ فصلت: 42]
وقال جل شأنه:
إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ [ الإسراء: 9]
فمن تمسّك بالقرآن وجعله أمامه وإمامه فقد استمسك بالعروة الوثقى، وهُدي للطريق الأقوم، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.
لذلك نقول بعد هذه المقدمة: إن العلاقة بين الآباء والأبناء لا تستقيم ولا تنضبط إلا برجوع كلا الطرفين إلى هدي القرآن الكريم، وإرشادات سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم.
ثم إنني الآن سأناقش هذا الموضوع المهمّ بادئًا بأسئلة موجّهة للآباء؛ لأنهم هم المسؤولون عن رعايتهم فأقول: أيها الأب الكريم!
* هل كان همّك الأول هو أن يحفظ ولدك القرآن ويعمل بما فيه؟ أم أنك كنت تنتظر أن يكبر لتكسب المال من خلاله وترتاح من عناء السعي على أسرتك وتحمله مسؤولية ذلك؟
* هل كان همك من اليوم الأول في تاريخ الحياة الزوجية هو عمارة الدين أم الدنيا؟
* هل كنت تريد من وراء الذرية التفاخرَ والتباهي بين أفراد أسرتك وأرحامك وجيرانك وأصحابك أم كنت تريد أن يباهي النبيّ صلى الله عليه وسلم بذريتك الأمم يوم القيامة؟
* إن أمر أولادك مبدؤه من عندك ومرجعه إلى تأسيسك فعلى ماذا أسّست أولادك؟
* هل أرسلتهم من نعومة أظفارهم إلى أهل القرآن ليرجعوا بعد مدة وقد صاروا منهم؟
* هل وضعتهم في بيئة العلم والعلماء في حلقات الذكر والمذاكرة؟ هل اخترت لهم البيئة المعقمة، والصحبة الصالحة المحترمة؛ التي تحفظهم من سوء العقائد والضلال وفساد الزمان؟
* هل تجلس كل يوم لوقت قليل تتدارس معهم سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأخبار السلف الصالحين؟
* هل كنت قدوة لأسرتك بأخلاقك ومعامتلك بحالك قبل قالك؟
فبالله عليك أجبني! فإن البدايات تدلّ على النهايات، ومن كانت له بداية محرقة؛ كانت له نهاية مشرقة.
فإن لم يكن تأسيسك صحيحًا على القواعد الشرعية المرعية؛ فإن وبال أولادك سينقلب عليك! وستدفع ثمن إهمالك غالياً جدًّ! فلا تلم إلا نفسك حين ترى ولدك وفلذة كبدك على غير منهج الاستقامة! مسرفا على نفسه! لا يطيع أمرك، ولا ينقاد لك فيما تريده؛ لأنه قد فات الأوان!
وهناك أسباب أخرى للفَجْوَة بين الآباء والأبناء وهي:
أ: عدم اتحاد المنهج بين الزوج والزوجة:
فالزوجة مثلاً دنيوية! والرجل أخرويّ أو العكس! فطرف يجرّ الولد إلى الدنيا وطرف يريد الولد من أهل الآخرة!؟ فتحصل المشاكل بسبب هذا الاختلاف ويضيع الولد.
ب: ومن الأسباب أيضا: أن الأب تربى ونشأ على طريقة تربوية قاسية بغض النظر عن كونها صحيحة أم خاطئة فيأتي ليطبق ذلك على ولده! وقد تغيرت الدنيا والأساليب والمجتمع واختلفت الأمور فيحصل التنافر بسبب هذا الخطأ الكبير.
ج: ومن الأسباب أيضا: غياب الأب عن البيت لساعات طويلة، إمّا في العمل وإما بالسفر، فيقع حمل التربية على ظهر الأم، والأم مشغولة إما بحاجات البيت، أو بهاتفها! أو صديقاتها! والولد متروك للشاشات! أو بيده الهاتف يقلب في صفحاته ويتنقل في برامجه ويدمن على ألعابه فيحصل خلل كبير بسبب هذا الأمر ويضيع الولد دينيًّا وبدنيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ فبعد هذا كلّه كيف لا تحصل الفجوة بين الآباء والأبناء؟ وما الحلّ بعد أن كبر الولد وتعود على سلوك ومنهج خاطئ؟
الحل الوحيد:
هو الالتجاء إلى الله تعالى والتفويض إليه سبحانه والدعاء المستمر للأولاد بأن يهيء الله لهم صحبة صالحة تأخذ بأيديهم إلى الصراط المستقيم، فحينئذ يتغير حالهم، ويعرفون مقام الأب، ويبادرون إلى خدمته، والمسارعة إلى ما يرضيه، في غير معصية.
وإليك مني أيها الأب الكريم هذه النصائح والإرشادات من خلال آيات قرآنية، وأحاديث شريفة نطق بها سيد السادات صلى الله عليه وسلم توجه الآباء إلى ما ينبغي توجيه الأبناء، فمن ذلك:
o ما رواه السيوطي في "الجامع الصغير" قال صلى الله عليه وسلم:
حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن موضعه ويحسن أدبه (الجامع الصغير وزيادته للسيوطي: صـ 228، (3746)).
o ومن ذلك إعانة الآباء لأبنائهم على برّهم، وطاعتهم بحسن معاملتهم، وحكيم سياستهم، ورشيد تربيتهم وأمرهم بما يستطاع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
رحم الله: والدًا أعان ولده على بره (الجامع الصغير وزيادته للسيوطي: صـ 272، (4443)).
o ومن ذلك: منح الآباء أبناءهم العطف والرحمة والعناية والرعاية، ففي الحديث الذي رواه البخاري: أن الأقرع بن حابس رضي الله تعالى عنه قال:
إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ منهم أحدًا! فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن من لا يرحم لا يُرحَم (صحيح البخاري: 4/100، (6997)).
o ومن ذلك اهتمام الآباء بتأديب أبنائهم وتعليمهم وتهذيبهم، فقد قال تعالى:
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا [ التحريم: 6]
• وعن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه:
لأن يؤدب الرجل ولدَه خيرٌ له من أن يتصدّق بصاع (سنن الترمذي: 3/382، (1958)).
o وفي رواية:
ما نحل والدٌ ولدَه أفضل من أدب حسن (الجامع الصغير وزيادته للسيوطي: صـ 496، (8118)).
o وقال أحد السلف: أدّبوهم وعلّموهم خيرًا (تفسير بحر العلوم للسَّمَرقَنْدي: 3/381).
يعني أن أفضل شيء تهديه وتقدّمه لولدك هو الأدب الحسن.
وفي النهاية أقول لكل أب:
اِصبر على ولدك، وتعامل معه بإيجابية، ولا تحمّله ما لا يطيق، ولا تنتقده دائماً! واحرص باستمرار على محاورته ومناقشته ومشاورته بدلاً من تعنيفه وتصغيره وسبه وشتمه وخاصة بين الناس! إياك أن تكسر خاطره! بل عليك أن ترفع من شأنه وتحترمه وتجعله واثقا بنفسه، فخير ذلك كله يعود عليك إن شاء الله تعالى، وادع له في ظهر الغيب؛ فإنك تنجح إن شاء الله وتزول الفجوة فيما بينك وبينه.
والله يتولانا وإياكم ويصلح حالنا وحالكم ويهدينا ويهديكم وهو يتولى الصالحين والهادي إلى سواء السبيل.
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية
تعليقات