متى نصر الله؟ | الشيخ عادل ديري


نشرت: يوم الإثنين،20-يناير-2025

متى نصر الله؟

يمرُّ الإنسان بأوقات صعبة في حياته، يشعر فيها بالضَّعف والعجز أمام ما يواجهه من صعوبات شخصية، أو مجتمعيَّة، أو حتَّى أمور تتعلَّق بالأمَّة أكملها، وفي مثل هذه الأوقات ينشغل بال المؤمنين بسؤال يتردَّد في ذهنه وهو: "متى نصر الله؟" وهذا السّؤال ليس مجرَّد تساؤل عابر، بل يعكس الشَّوق والتَّوق إلى الفرج بعد الكرب والشِّدة، وهو سؤال يحمل بين طيَّاته الأمل والإيمان بـ"أنَّ النَّصر قريب مهما طال الزَّمن".

والله عزَّ وجلَّ أجاب في كتابه الكريم عن هذا السّؤال بوضوح حين قال:

أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة: 214).

فهذه الآية تأتي لتؤكِّد لنا أنَّ السُّؤال عن "النَّصر" جوابه ليس بـ"نعم" أو "لا"، بل هو عبارة عن توقيت، فالله لا ينسى عباده، والنَّصر آتٍ لا محالة، لكن علينا أن نكون مستعدِّين لتلقِّيه بالصَّبر والإيمان.

الصَّبر طريق النَّصر

الصَّبر هو المفتاح الَّذي يفتح أبواب الفرج، فالإنسان يمرُّ بمواقف صعبة قد تدفعه إلى اليأس، لكنَّ المؤمن يعرف أنَّ كل محنة هي امتحان، وأنَّ الله يمتحن صبر عباده ليرى من يثبُت ومن يتخلَّى عن الصَّبر.

وفي القرآن الكريم نجد قصصًا لأنبياء الله تعالى قد تعرضوا لأشدِّ أنواع الابتلاءات، ولكنَّهم صبروا وانتظروا نصر الله وفرجه.

* نبي الله يوسف عليه السَّلام هو واحد من هؤلاء الأنبياء الَّذين واجهوا صعوبات منذ الصِّغر، فقد تعرَّض لمؤامرة من إخوته، وألقي في البئر، وبيع عبدًا في مصر، ثم سُجن ظلمًا، رغم كل هذه الابتلاءات لم يفقد سيِّدنا يوسف إيمانه بالله، وكان النَّصر من عند الله حين جعله حاكمًا على مصر وجمعه بأهله بعد سنوات من الفراق، كما قال الله تعالى:

إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف: 90).

وهذه القصَّة تعلِّمنا أنَّ الفرج قد يتأخر، لكنَّ الله لا ينسى عبده الصابر.

* قصَّة أُخرى تحمل عبرة عظيمة وهي قصَّة نبي الله أيوبَ عليه السَّلام، فقد ابتُلي في جسده وماله وأهله، ففقَد كل ما يملك، وأصيب بمرض شديد، رغم ذلك لم يفقد سيِّدنا أيوب عليه السَّلام ثقته بالله وكان يردِّد

إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (الأنبياء: 83)،

لم يسأل سيّدنا أيوب عليه السلام عن موعد الفرج أو لماذا تأخَّر، بل كان صبره جميلاً، مؤمنًا أنَّ الله سيرفع عنه البلاء في الوقت المناسب، وبالفعل جاء نصر الله لسيِّدنا أيوب بعد سنوات من المرض، وشفاه الله وأعاد له كلَّ ما فقده.

 

وهذه القصِّة تذكِّرنا أنَّ النَّصر قد لا يأتي سريعًا، لكنَّه يأتي في الوقت الَّذي يختاره الله، ويجب علينا أن نتحلَّى بالصَّبر حتَّى يحين ذلك الوقت.

ثقتنا بالله سبيلنا إلى الفرج

أحد أهمِّ العناصر الَّتي تقودنا إلى نصر الله "هو الدُّعاء"، فهو وسيلة لبقاء العبد دائم الصِّلة بربِّه موقنًا أنَّ ربَّه جلَّ جلاله بيده مقاليد الأمور، ففي غزوة بدر كان المسلمون قلَّة وضعفاء مقارنة بجيش المشركين، ومع ذلك لم يفقد سيِّدنا محمَّد ﷺ الثِّقة بنصر الله، ورفَع يديه بالدُّعاء قائلاً:

(اللهم أنجز لي ما وعدتني) (صحيح مسلم: 1763)،

فجاء النَّصر الإلهي رغم صعوبة الظُّروف.

فهذه الواقعة تؤكِّد لنا أنَّ الدُّعاء هو سلاح المؤمن في الأوقات الصعبة، وأنَّ الله يستجيب لمن يدعوه بصدق وإخلاص.

والله عزَّ وجلَّ يقول في كتابه الكريم

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر: 60)،

فالدُّعاء ليس فقط طلبًا للنَّصر، بل هو تعبير عن الإيمان بأنَّ الله هو المقدِّر والمسيطر على كلِّ شيء، حتَّى لو تأخَّر النَّصر علينا أن نستمر في الدُّعاء؛ لأنَّ الله قد يؤخِّر الاستجابة لحكمة نجهلها.

النَّصر ليس دائمًا ماديًا

في بعض الأحيان نعتقد أنَّ النَّصر يعني تحقيق المكاسب المادِّية أو التَّغلب على الأعداء بشكل ملموس، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ النَّصر يمكن أن يكون روحيًّا ومعنويًّا، ففي بداية الدَّعوة الإسلاميَّة، كان الصَّحابة رضوان الله عليهم يتعرضون للاضطهاد والتَّعذيب في مكَّة، ولم يكن لديهم القدرة على مقاومة قريش، رغم ذلك كانوا يعتبرون أنَّ ثباتهم على الدِّين ورفضهم للتَّنازل عن إيمانهم هو نصر بحدِّ ذاته.

وقصَّة أصحاب الأخدود المذكورة في سورة البروج هي من الأمثلة على هذا النَّوع من النَّصر، فقد أحرق أصحاب الأخدود جماعة من المؤمنين بسبب إيمانهم، وتلك الفئة المؤمنة رغم الألم والمعاناة لم يتراجعوا عن دينهم، وكان صمودهم أمام الظُّلم نصرًا روحيًّا عظيمًا، فوعدهم الله عزَّ وجلَّ الجنة رغم أنَّهم خسروا حياتهم في الدُّنيا.

فالنَّصر قد لا يكون دائمًا واضحًا في صورة مكاسب دنيويَّة، بل يمكن أن يكون نصرًا في الحفاظ على قيمنا وثباتنا على الإيمان وسط محن الحياة.

إلى كل من ضاق به الحال...

رسول الله ﷺ يخبرنا ويقول:

واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا. (سنن الترمذي: 2516)،

فكلُّ لحظة صبر تقرِّبنا من الفرج، فالله تعالى يختبرنا واختباره لنا عن حكمة إلهية، والنَّصر قد لا يأتي في اللحظة الَّتي نريدها، لكنَّه يأتي في اللحظة الَّتي يختارها الله.

والله عزَّ وجلَّ وعدنا في كتابه الكريم:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا. (النور: 55)

والله لا يخلف الميعاد.

وورد أنَّ أحد الصَّحابة رضوان الله عليهم سأل رسول الله ﷺ:

من أشد النَّاس بلاء؟ فقال ﷺ الأنبياء ‌‌ثم ‌الأمثل ‌فالأمثل، ‌فيبتلى ‌الرجل ‌على ‌حسب ‌دينه، ‌فإن ‌كان ‌في ‌دينه ‌صلباً ‌اشتدَّ ‌بلاؤُه، ‌وإن ‌كان ‌في ‌دينه ‌رقةٌ ‌ابتُلي ‌على ‌حسب ‌دينه، ‌فما ‌يبرح ‌البلاءُ ‌بالعبد ‌حتى ‌يتركه ‌يمشي ‌على ‌الأرض ‌ما ‌عليه ‌خطيئة (سنن الترمذي:2396).

فكلما زاد البلاء لنستبشر خيرًا بقربنا من الله والفرج بيده لا بيدنا! وإذا جاء فرج الله لا تسأل

كيف يأتي، فما علينا إلا أن نتوكَّل على الله حق التَّوكل

وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (إبراهيم: 12).

نصر الله قريب

النَّصر من عند الله ليس بعيدًا كما قد يبدو، فالله وعد بنصر عباده المظلومين والمضطهدين، وهذا وعدٌ صادق لا رجعة فيه، فعلينا أن نثق في حكمة الله، وأن نعيش معتقدين بأنَّ

مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (الشرح: 6)،

فالله لا ينسى عباده، ونصره قريب لكل من يثبت على الحقِّ ويصبر على الابتلاء.

لذلك... في كل مرَّة تشعر بالضِّيق أو الظُّلم، تذكَّر أنَّ الله يرى ويسمع، وأنَّ نصره قادم لا محالة، فما علينا إلَّا أن نصبر ونتوكَّل على الله، ونتأكَّد ونتيقَّن أنَّ الفرج قريبٌ بإذن الله.

تعليقات



رمز الحماية