فضل وفوائد قيام الليل | الشيخ محمد قاسم العطاري


نشرت: يوم السبت،15-مارس-2025

فضل وفوائد قيام الليل

قال الله تعالى:

وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا ٦٤ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ٦٥ [الفرقان: 64-65]

التفسير: هَذِهِ الآيات الكَرِيمَة دالّة بوضوح على أن عباد الله الصالحين يقومون بالأعمال الصالحة وهم في حالة الإقبال على الله بالعبادة مستمتعين بلذة العبودية، تعتريهم شدة الخوف من ربهم، فلياليهم تمضي بالقيام والسجود ويلهجون بالدعاء والمناجاة أن يقيهم العذاب والجحيم، راجين منه المغفرة والصفح.

من فوائد قيام الليل

فوائد قيام الليل ومنافعه أكثر من قيام النهار، وبعضٌ منها على النحو التالي:

الفائدة الأولى: العبادة في لحظات الليل الهادئ أكثر مواطأة للقلب مع اللسان بحيث يتوجه القلب تمامًا إلى ما يقرأه اللسان.

الفائدة الثانية: تؤثر التلاوة في الليل تأثيرًا مباشرًا على القلب وتنيره إذ يحصل في هذا الوقت حالة خاصَّة من السَّكينة والطمأنينة.

الفائدة الثالثة: العمل الصالح في ساعات الليل أتم إخلاصًا وأصون عن الرياء؛ إذ لا يراه أحد في آخر الليل غالبًا.

الفائدة الرابعة: عبادة الليل لها لذة لا توجد في أي عمل صالح؛ لأن العبد يكون حينها خاليًا بربه، فيجد شرفَ المناجاة معه، وليسأل من ذاق هذه الحلاوة من المتعبّدين في خلوات الليل فهم الذين صفَت قلوبهم من الأكدار ويشتاقون لرؤية محبوبهم حتى في هذه الدار.

* كما قال سيّدنا عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ رحمه الله: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا أَحْزَنَنِي شَيْءٌ سِوَى طُلُوعِ الفَجْرِ.

* وقال سيّدنا الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رحمه الله: إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَرِحْتُ بِالظَّلَامِ لِخَلْوَتِي بِرَبِّي، وَإِذَا طَلَعَتْ حَزِنْتُ لِدُخُولِ النَّاسِ عَلَيَّ.

* وَقَالَ سيّدنا أبو سليمان رحمه الله: لَوْلَا اللَّيْلُ مَا أَحْبَبْتُ البَقَاءَ فِي الدنيا.

* وقال بعض العلماء: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَقْتٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَا يَجِدُهُ أَهْلُ التَّمَلُّقِ فِي قُلُوبِهِم بِاللَّيْلِ مِنْ حَلَاوَةِ الْمُنَاجَاةِ.

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَذَّةُ الْمُنَاجَاةِ لَيْسَتْ مِنَ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْجَنَّةِ أَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ، لَا يَجِدُهَا سِوَاهُم (إحياء علوم الدين: 1/471، ملخصًا).

فضل إحياء الليل بالعبادة

ولقد وصف القرآنُ الكريم فضيلةَ إحياء الليل بأسلوب حسن وجميل، فقال اللهُ تعالى:

تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وطَمَعًا [السجدة: 16].

وفي مقام آخر: بَشَّرهم بالجنة: أي بشّر "المتعبدين بالليل والمستغفرين بالأسحار" هكذا:

إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ ١٥ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ ١٦ كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ ١٧ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ١٨ [الذاريات: 15-18].

قيام الليل من عادات السلف

* قيام اللّيل هو دأب سلفنا الصالح، حيث قال رسول الله ﷺ:

«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ» (سنن الترمذي: 5/323، (3560))

* وقال ﷺ:

«صَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» (سنن ابن ماجه: 2/127، (1334))

* وقال أيضًا:

«إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا». فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» (سنن الترمذي: 3/396، (1991))

* وقال النبيُّ الكريمُ ﷺ في حديث آخر:

«أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» (صحيح مسلم: صـ 456، (2755))

لذا ينبغي أن يتعود المرء على شيء من العبادة في آخر الليل، ليكون متحليا بصفة الكاملين وممن يجعلون حسناتهم ذخيرة لآخرتهم، فينبغي أن يصلي ولو ركعتين على الأقل بعد العشاء أو قُبَيل طلوع الفجر بعد النوم ليظفر بنصيب من فضل قيام الليل.

اجتهاد السلف في العبادة

* وكان الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان وسلفنا من الصالحين يقضون لياليهم في العبادة، وكتب التراجم مليئة بأخبارهم الجميلة في قيام الليل والتهجّد بالأسحار.

* فهذه السيّدة حفصة بنت سيرين رحمها الله كانتْ مِن عابدات أهل البصرة، وكانتْ تقرأ كلَّ ليلةٍ نصفَ القرآن تقوم به فى الصلاة، وكانت تقوم فى مصلّاها باللّيل فربما طفئ المصباح فيضيئ لها البيت حتّى تصبح.

* وكانت السيّدة رابعة العدويّة رحمها الله تصلّى اللّيل كلّه، فاذا قرب الفجر نامتْ نومةً خفيفةً ثمّ تقوم وتقول: يا نفس! كم تنامين وكم تقومين؟! يوشك أنْ تنامى نومةً لا تقومين منها إلّا صبيحة يوم النشور، فكان هذا دأبها حتّى ماتتْ (تفسير روح البيان: 6/242، بتصرفٍ).

الدعاء لمن يحيي الليل

وصفهم الله تعالى بإحياء الليل ساجدين قائمين ثم عقبه بذكر دعائهم هذا:

والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ٦٥ ]الفرقان: 65[.

قال الإمام النسفي رحمه الله في تفسير هذه الآية: إنّهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون متضرّعون إلى الله عز وجل في صرف العذاب عنهم (تفسير النسفي: صـ 810)

ولذلك بدلاً من الاعتماد على عبادته وكثرة طاعته، ينبغي للعبد أن ينظر إلى سعة رحمة الله تعالى وكرمه، وليحذر تدبير الله الخفيّ فإن هذا هو سبيل الكاملين، كما قال العلامة إسماعيل حقِّي رحمه الله تعالى: عباد الرحمن يقضون كل لحظة من حياتهم في ذكر الله تعالى، وهم مع اشتغالهم بالعبادة يعُدّون أنفسهم من المقصّرين المفرّطين المذنبين ويخافون من تدبير الله الخفي فيهم، وذلك لأنهم لا يعتبرون أنفسهم وأعمالهم شيئًا، ولا يثقون في أحوالهم (تفسير روح البیان: 6/244، تعريبًا من الفارسية).

أخيرًا! نسأل الله تعالى أن يرزقنا المغفرة والهمّة ببركة القرآن وببركة أولئك الصالحين القائمين الساجدين المستغفرين بالأسحار، وأن يكرمنا بلذة مناجاته والخشية منه والشوق إلى لقائه وأن يجعلنا مقبلين عليه في سائر الأوقات، وأن يغفر لنا بلا حساب ولا سابقة عذاب. آمين بجاه النبي الأمين ﷺ.

تعليقات



رمز الحماية