حقوق الجار في الإسلام | محمد سجاد أنجم القادري


نشرت: يوم السبت،19-أبريل-2025

حقوق الجار في الإسلام

إن الجار في الإسلام ليس مجرد فرد يسكن بجانبك أو يجاورك في العمل أو الطريق، بل هو جزء مهم من نسيج المجتمع المسلم الذي يقوم على التراحم والمساعدة المتبادلة، وحقوق الجار في الإسلام ليست مقتصرة على مبدأ "أن تكون لطيفًا معه"، بل هي منظومة متكاملة من الواجبات التي تشمل الإحسان إليه، وكفُّ الأذى عنه، وتقديم العون له، والتعاون معه في الشدائد والمناسبات، ولقد بيّن لنا رسول الله ﷺ من خلال وصاياه المستمرة بشأن الجار، وحقوق ذلك لا تقتصر على الجار القريب، بل تشمل البعيد، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، مما يعكس شمولية الإسلام واهتمامه بالإنسانية جمعاء.

سنعرض تعاليم الإسلام بشأن حقوق الجار، من خلال استعراض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لنتعرف كيف يمكننا أن نُحيي هذه القيم في حياتنا اليومية، لنجعل من مجتمعاتنا واحة من الرحمة والإحسان.

دلالات كلمة "الجار":

الجارُ لغةً: هو لفظ ذو دلالات شتّى نذكرها فيما يلي:

* الجارُ: المُجاور في المسكن، وفي المثل: «قد يُؤْخَذُ الجارُ بذنب الجار»، جمع، جيران وجيرة وجوار وأجوار.

* الجارُ: الشَّريك في العَقَار أَو التِّجارة، والجارُ المُجيرُ، والمستجير، والْمُجار. (المعجم الوسيط: 146)

* قال الإمام الراغب الأصفهاني: الجار: من يقرب مسكنه منك، وهو من الأسماء المتضايفة، فإنّ الجار لا يكون جارًّا لغيره إلا وذلك الغير جار له، كالأخ والصديق.

ولمّا استعظم حقّ الجار عقلاً وشرعًا عبّر عن كل من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار، قال تعالى:

وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ. [النساء: ٣٦] (المفردات في غريب القرآن: 211)

الجيران في الإسلام

الجيران في الإسلام هم كل من يسكن قرب الإنسان، سواء كانوا في نفس الحي أو الشارع، بل ويشمل الجار من يجاور الشخص في العمل أو التجارة، ويشمل الجار المسلم وغير المسلم، حيث أوجب الإسلام على المسلم أن يحسن إلى جيرانه بغض النظر عن ديانتهم.

مراتب الجار في الإسلام

الإسلام جعل للجار مكانة رفيعة، وقسّم حقوقه إلى ثلاث مراتب:

جار له ثلاثة حقوق:

وهو الجار المسلم ذو الرحم. له حق الإسلام، وحق الجوار، وحق القرابة، مما يجعله أحق الناس بالإحسان والتفقد.

جار له حقان:

الجار المسلم غير القريب: له حق الإسلام وحق الجوار.

الجار القريب غير المسلم: له حق الجوار وحق القرابة، بما يعكس عدالة الإسلام ورحمته.

جار له حق واحد:

هو الجار غير المسلم الذي لا تربطه قرابة، له حق الجوار فقط، ومع ذلك، أمر الإسلام بالإحسان إليه وكف الأذى عنه، كما كان النبي ﷺ يحسن لجيرانه من غير المسلمين.

أهمية الجار في ضوء القرآن والسنة

لقد ورد العديد من النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تبرز أهمية وحقوق الجار، منها:

1- القرآن الكريم: يقول الله تعالى في سورة النساء:

"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ". [النساء: 36]

هذه الآية تبرز الأهمية الكبيرة التي يجب أن يُوليها المسلم لجاره، سواء كان قريبًا أو بعيدًا.

2- السنة النبوية: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". (صحيح البخاري: 6018)

وهذا الحديث الشريف يبين أن إكرام الجار هو من أخلاق المسلم.

حقوق الجار في الإسلام

لقد حدّد الإسلام حقوقًا عديدة للجار، وأوصى بالالتزام بها لما لها من أثر في تعزيز التماسك المجتمعي ونشر المودة، والإسلام لم يقتصر على توصية المسلمين بحسن التعامل مع الجار، بل وضّح الحقوق التي يجب أن يُعطاها الجار، وإليكم بعض حقوقه الأساسية:

1. رد السلام وإجابة الدعوة:

رد السلام وإجابة دعوة الجار من أبسط الحقوق التي تُشعره بالتقدير والاحترام، وهي حقوق عامة للمسلمين، لكنها تتأكد في حق الجيران لما لها من أثر في إشاعة روح الألفة والمودة.

2. كف الأذى عن الجار:

يُعد الامتناع عن إيذاء الجار من أعظم الحقوق، قال النبي ﷺ:

"والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: "مَن لا يأمن جاره بوائقه". (صحيح البخاري: 6016)

وفي قصة المرأة التي كانت تصلي الليل وتصوم النهار لكنها تؤذي جيرانها، قال النبي ﷺ:

"لا خير فيها، هي في النار". (المستدرك على الصحيحين: 7385)،

وهذا تحذير شديد من إيذاء الجار.

3. تحمل أذى الجار:

في الحياة اليومية، قد تحدث خلافات بسيطة بين الجيران نتيجة ظروف الحياة أو التعاملات اليومية، الإسلام يحث المسلم على التحلي بالصبر والتسامح، وعدم الدخول في نزاعات تافهة قد تؤدي إلى تفكك العلاقات بين الجيران، قال النبي ﷺ:

"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". (سنن الترمذي: 2507)

وهذا يوضح أهمية الصبر والتسامح في العلاقات مع الجيران.

من شيم الكرام وأصحاب النفوس العظيمة الصبر على أذى الجار، واحتساب ذلك عند الله، كما قال النبي ﷺ:

"إن الله عز وجل يحب ثلاثة، ويبغض ثلاثة"، وذكر منهم: "رجل كان له جار سوء يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت". (مسند أبي داود الطيالسي: 470)

ومن الأمثلة المشهورة عن الإمام أبي حنيفة، صبره على أذى جاره الذي كان يسيء إليه يوميًا، حتى أنه عندما سُجن شفع له عند القاضي وأخرجه، مما جعل الجار يندم ويتوب عن إيذائه.

4. تفقده وقضاء حوائجه:

تفقد أحوال الجيران وقضاء حوائجهم هي من صور الإحسان التي تُعزز العلاقات، قال النبي ﷺ:

"ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" (المعجم الكبير للطبراني: 751)،

وكان أصحاب النبي ﷺ يتفقدون جيرانهم ويُهدون إليهم الهدايا.

5. ستره وصيانة عرضه:

الجار بحكم القرب قد يطّلع على أمور خاصة بجاره، وهنا يتأكد واجب ستره وصيانة عرضه، قال النبي ﷺ:

"من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" (صحيح البخاري: 2442).

6. الإهداء إليه ومودته:

من وسائل توطيد العلاقة مع الجار التهادي، ولو بشيء بسيط، قال النبي ﷺ:

"يا أبا ذر! إذا طبختَ مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك". (صحيح مسلم: 142)

والهدية لها أثر عميق في القلوب، وهي وسيلة لنشر الحب وتقوية الروابط بين الجيران.

7. تقديم المساعدة له عند الحاجة:

من أعظم حقوق الجار في الإسلام هو تقديم المساعدة له عند حاجته، سواء كانت هذه الحاجة مادية، مثل إقراض المال أو تقديم الطعام، أو كانت معنوية، مثل الوقوف معه في أوقات الشدة والمحن، النبي ﷺ كان يقول:

"ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه". (مسند أبي يعلى: 2699)

وهذا الحديث يحث المسلم على ألا ينسى جاره، بل يجب أن يتفقده دائمًا ويتأكد من حالته.

8. مشاركة الجار في أفراحه وأتراحه:

من المستحب أن يشارك المسلم جاره في المناسبات السعيدة والمواقف الصعبة، حيث يُشعره بذلك أنه ليس وحده في مجتمعه، بل هناك من يقف بجانبه.

9. التسامح مع الجار:

في الحياة اليومية، قد تحدث خلافات بسيطة بين الجيران نتيجة ظروف الحياة أو التعاملات اليومية، الإسلام يحث المسلم على التحلي بالصبر والتسامح، وعدم الدخول في نزاعات تافهة قد تؤدي إلى تفكك العلاقات بين الجيران، ولقد ثبت بأحاديث النبي ﷺ أهمية الصبر والتسامح في العلاقات مع الجيران.

10. الإحسان في التعامل اليومي:

الإسلام يحث على حسن الخلق مع الجيران في كل المواقف اليومية، مثل: عدم إزعاج الجيران بالصوت العالي أو السلوكيات غير اللائقة، والمحافظة على نظافة المنطقة المشتركة بين الجيران، واحترام خصوصية الجيران وعدم التدخل في شؤونهم الشخصية.

11. التبسم في وجه الجار والمعاملة الحسنة:

وهذا من أبسط حقوق الجار التي يمكن أن يُقدمها المسلم الابتسامة والمعاملة الحسنة، قال النبي ﷺ:

"تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة". (سنن الترمذي: 1956)

والجار أولى بهذه الابتسامة؛ لأن الابتسامة والمعاملة الحسنة تساهم في خَلق بيئة إيجابية بين الجيران، وتجعل العلاقات بينهم أكثر قربًا ومودة.

12. النصيحة والتوجيه بالمعروف:

الإسلام يوصي بأن يتبادل الجيران النصيحة والتوجيه بالمعروف، إن كان الجار بحاجة إلى نصيحة في أمر من الأمور الدينية أو الدنيوية، فعلى المسلم أن يكون أول من يقدم له المشورة بطريقة لطيفة ومحترمة، النبي ﷺ قال:

"الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". (صحيح مسلم: 95)

والجار هو من أقرب الناس الذين يحتاجون إلى هذا النوع من التوجيه.

في الأخير! القرآن الكريم والسنة النبوية قدّما توجيهات واضحة في كيفية التعامل مع الجار، والإسلام لم يكتفِ بتقديم نصوص توجيهية حول حقوق الجار، بل قدّم أمثلة عملية من حياة النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم ما يجعل هذه الحقوق جزءًا أساسيًا من حياة كل مسلم، فعندما يحترم الجيران حقوق بعضهم البعض ويحرصون على العيش بسلام، يساهم ذلك في تحقيق الأمن الاجتماعي على كافة المستويات.

تعليقات



رمز الحماية