وذلك أن الحديث الوارد علينا بإسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، فبيقين نعلم أن هشاما قد سمع من أبيه، وأن أباه قد سمع من عائشة. كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يجوز، إذ لم يقل هشام، في رواية يرويها عن أبيه: سمعت أو أخبرني، أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان أخر، أخبره بها عن أبيه، ولم يسمعها هو من أبيه، لما أحب أن يرويها مرسلا. ولا يسندها إلى من سمعها منه.
وكما يمكن ذلك في هشام عن أبيه، فهو أيضا ممكن في أبيه عن عائشة.
وكذلك كل إسناد لحديث ليس فيه ذكر سماع بعضهم عن بعض.
وإن كان قد عرف في الجملة أن كل واحد منهم قد سمع من صاحبه سماعا كثيرا، فجائز لكل واحد منهم أن ينزل في بعض الرواية فيسمع من غيره عنه بعض أحاديثه، ثم يرسله عنه أحيانا، ولا يسمي من سمع منه. وينشط أحيانا فيسمي الرجل الذي حمل عنه الحديث ويترك الإرسال. وما قلنا من هذا موجود في الحديث مستفيض، من فعل ثقات المحدثين، وأئمة أهل العلم. وسنذكر من رواياتهم على الجهة التي ذكرنا عددا يستدل بها على أكثر منها إن شاء الله تعالى. فمن ذلك، أن أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعا وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله ولحرمه بأطيب ما أجد.
فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد وداود العطار وحميد بن الأسود ووهيب بن خالد وأبو أسامة عن هشام؛ قال: أخبرني عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى هشام، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض.
فرواها بعينها مالك بن أنس، عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الزهري وصالح بن أبي حسان، عن أبي سلمة، عن عائشة؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم.
فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القبلة: أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن؛ أن عمر بن عبدالعزيز أخبره أن عروة أخبره أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم.
وروى بن عيينة وغيره، عن عمرو بن دينار، عن جابر؛ قال: أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر.