كما يُفصَل الجواب عن السؤال، السكّاكيّ فينزّل ذلك منزلة الواقع لنكتةٍ كإغناء السامع عن أن يسأل أو أن لا يُسمَع منه شيء, ويسمّى الفصلُ لذلك ½استينافًا¼ وكذا الثانيةُ، وهو ثلاثةُ أضرُب لأنّ السؤال إمّا عن سبب الحكم مطلقًا نحو: قَالَ لِيْ كَيْفَ أَنْتَ قُلْتُ عَلِيْلٌ * سَهْرٌ دَائِمٌ وَحُزْنٌ طَوِيْلٌ, أي: ما بالك عليلاً أو ما سبب علّتك، وإمّا عن سبب خاصّ نحو: ﴿۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ ﴾ [يوسف:٥٣] كأنه قيل: هل النفس أمّارة بالسوء؟
(كما يُفصَل الجواب عن السؤال) المحقّق, وقال (السكّاكيّ فينزّل ذلك) السؤال المقدّر (منزلة) السؤال (الواقع) ويقصد بالجملة الثانية أن تقع جوابًا له فتُفصَل لذلك عن الأولى, وإنما ينزّل السؤال المقدّر منزلة الواقع (لنكتةٍ كإغناء السامع عن أن يسأل) تعظيمًا له أو شفقةً عليه (أو) كإرادة (أن لا يُسمَع منه) أي: من السامع (شيء) كراهةً لكلامه وتحقيرًا له (ويسمّى) في الاصطلاح (الفصلُ) أي: ترك العطف الذي (لذلك) أي: لكون الثانية جوابًا لسؤالٍ اقتضته الأولى (استينافًا) تسميةً لللازم باسم الملزوم؛ لأنّ الاستيناف أي: الإتيان بكلام مستقلّ يستلزم فصله عمّا قبله (وكذا) يسمّى الجملةُ (الثانيةُ) نفسُها استينافًا تسميةً للشيء باسم ما يتعلّق به لأنّ الثانية يتعلَّق بها الاستيناف ولذا تسمّى أيضًا مستانفةً (وهو) أي: الاستيناف (ثلاثةُ أضرُب) وإنما انحصر في ثلاثة أضرب (لأنّ السؤال) المقدّر الناشي من الجملة الأولى لا يخلو (إمّا) أن يكون (عن سبب الحكم) الكائن في الأولى حال كون السبب (مطلقًا) بأن لم يقدّر سبب خاصّ (نحو) قول الشاعر (قَالَ لِيْ كَيْفَ أَنْتَ قُلْتُ عَلِيْلٌ * سَهْرٌ دَائِمٌ وَحُزْنٌ طَوِيْلٌ) فقوله ½عليل¼ خبر مبتدأ محذوف أي: ½أنا عليل¼ وهو جملة اقتضت سؤالاً (أي: ما بالك) أي: ما حالك حال كونك (عليلاً) فهو سؤال عن سبب العلّة (أو ما سبب علّتك) هذا تنويع في التعبير والمعنى واحد, وقوله ½سَهْرٌ دَائِمٌ¼ خبر لمبتدأ محذوف أي: ½هو سهر دائم¼ وهذا محلّ الشاهد (وإمّا) أن يكون السؤال (عن سبب خاصّ) للحكم بأن تردّد في حصولِ سببه الخاصّ ونفيِه (نحو) قوله تعالى حكاية عن يوسف على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام: (﴿۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ ﴾) يتبادر من نفي تبرئة النفس أنّه لأجل أنّ النفس منطبعة في أصلها على أمرها بالسوء فصار المقام مقام أن يتردّد في ثبوت أمرها بالسوء فـ(كأنه قيل) لم نفيت تبرئة النفس (هل النفس) أي: هل لأجل أنّ النفس (أمّارة بالسوء؟) فأجيب ½إنّ النفس...إلخ¼, وكون الجواب مؤكَّدًا قرينة على أنّ السؤال عن السبب الخاصّ؛ لأنّ الجواب عن مطلق السبب لا يؤكَّد