فَوْقَ قَامَاتٍ ضَعُفْنَ بِهَا * أَوَائِلُ النَارِ فِيْ أَطْرَافِ كِبْرِيْتِ, وقد يعود إلى المشبّه به وهو ضربان أحدهما إيهامُ أنه أتمّ من المشبّه وذلك في التشبيه المقلوب كقوله: وَبَدَا الصَبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ * وَجْهُ الْخَلِيْفَةِ حِيْنَ يُمْتَدَحُ, والثاني بيان الاهتمام به كتشبيه الجائع وجهًا كالبدر في الإشراقِ والاستدارةِ بالرغيف ويسمّى هذا إظهارَ المطلوب, هذا إذا أريد إلحاق الناقص حقيقةً أو إدّعاءً بالزائد, فإنْ أريد الجمعُ بين شيئين في أمر فالأحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه احترازًا
(فَوْقَ قَامَاتٍ) أي: ساقاتٍ (ضَعُفْنَ بِهَا *) أي: ضعفن عن تحمّلها فإنّ ساقها في غاية الضعف واللين (أَوَائِلُ النَارِ) خبر ½كَأَنّ¼ (فِيْ أَطْرَافِ كِبْرِيْتِ) التي تكون مائلة إلى الزرقة, فصورة اتّصال النار بالكبريت لا يندر حضورها في الذهن لكن يندر حضورها عند حضور صورة البنفسج فيستطرف المشبّه بسبب ندرة مشاهدة المعانقة بين صورتين متباعدتين, والحاصل أنّ بين الصورتين غايةَ البعد فإحضار الثانية مع الأولى في غاية الندرة (وقد يعود) الغرض من التشبيه (إلى المشبّه به وهو) أي: الغرض العائد إلى المشبّه به (ضربان أحدهما إيهامُ) أي: إيقاعُ المتكلم في وهم السامع (أنه) أي: المشبّه به (أتمّ من المشبّه) في وجه الشبه (وذلك) الإيهام يوجد (في التشبيه المقلوب) وهو الذي يجعل فيه المشبّه في نفس الأمر مشبّهًا به في اللفظ (كقوله) أي: قول محمد بن وهيب في مدح المأمون بن هرون الرشيد العبّاسي (وَبَدَا الصَبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ *) أي: بياضَه (وَجْهُ الْخَلِيْفَةِ حِيْنَ يُمْتَدَحُ) ففيه إيهام أنّ وجه الخليفة أتمّ نورًا من الصباح حيث شبّه به غرّة الصبح (والثاني) أي: وثانيهما (بيان الاهتمام به) أي: بالمشبّه به (كتشبيه الجائع) أي: كأنْ يُشبِّه الجائعُ (وجهًا) هو (كالبدر في الإشراقِ والاستدارةِ بالرغيف) متعلِّق بالتشبيه, فإنّ الوجه يناسبه تشبيهه بالبدر والعدول إلى تشبيهه بالرغيف يدلّ على أنّ المشبّه به أي: الرغيف مهتمّ به لشدّة الرغبة إليه (ويسمّى هذا) التشبيه المقصودُ منه بيانُ الاهتمام بالمشبّه به (إظهارَ المطلوب) أي: ذا إظهار المطلوب (هذا) أي: تشبيه أحد الشيئين بالآخر إنما يكون (إذا أريد إلحاق) الشيء (الناقص) في وجه الشبه (حقيقةً) كما في تشبيه يعود غرضه إلى المشبّه (أو ادّعاءً) كما في تشبيه يعود غرضه إلى المشبّه به (بـ) الشيء (الزائد) في وجه الشبه, متعلِّق بالإلحاق (فإنْ أريد الجمعُ بين شيئين في أمر) لا إلحاقُ الناقص بالزائد (فالأحسن ترك التشبيه) المعروف بأن يُعدَل عنه (إلى الحكم بالتشابه) الذي هو تشبيه غير معروف بأن يؤتى بما يدلّ على التشابه والتساوي (احترازًا) علّة لترك التشبيه أي: ترك التشبيه للاحتراز