ومنها نحو قوله: يَا خَيْرَ مَنْ يَرْكَبُ الْمَطِيَّ وَلاَ * يَشْرَبُ كَأْسًا بِكَفِّ مَنْ بَخِلاَ, ومنها مخاطَبةُ الإنسان نفسَه كقوله: ½لاَ خَيْلَ عِنْدَكَ تُهْدِيْهَا وَلاَ مَالُ¼, ومنه المبالَغة المقبولة, والمبالغة أن يُدَّعَى لوصفٍ بلوغُهُ في الشدّة أو الضعف حدًّا مستحيلاً أو مستبعدًا لئلاّ يُظَنَّ أنه غير متناهٍ فيه, وتنحصر في التبليغ والإغراق والغلوّ لأنّ المدّعى إن كان ممكنًا عقلاً وعادةً فتبليغ كقوله: فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَـعْـجَـةٍ * دِرَاكًا فَلَمْ يَـنْـضَحْ بِمَاءٍ فَـيُغْسَلْ, وإنْ كان ممكنًا عقلاً لا عادةً فـإغراق كقوله: وَنُكْرِمُ جَارَنَا مَا دَامَ فِـيْـنَا * وَنُـتْـبـِعُـهُ الْـكَـرَامَةَ حَيْثُ مَالاَ,
(ومنها) أي: من أقسام التجريد ما يكون بطريق الكناية (نحو قوله) أي: قول الأعشى (يَا خَيْرَ مَنْ يَرْكَبُ الْمَطِيَّ) جمع المطيّة وهي المركوب من الإبل (وَلاَ * يَشْرَبُ كَأْسًا بِكَفِّ مَنْ بَخِلاَ) أي: بكفِّ البخيل, نفى الشرب بكفّ البخيل وأراد لازمه وهو الشرب بكفّ الجواد ومعلوم أنه يشرب بكفّ نفسه فيكون المراد بالجواد نفسه ففيه تجريد (ومنها) أي: من أقسام التجريد ما يدلّ عليه (مخاطَبةُ الإنسان نفسَه كقوله) أي: المتنبّي (½لاَ خَيْلَ عِنْدَكَ تُهْدِيْهَا وَلاَ مَالُ¼) انتزع من نفسه شخصًا آخر مثلَه في فقد الخيل والمال وخاطبه (ومنه) أي: ومن البديع المعنويّ (المبالَغة المقبولة) قيّد بالمقبولة لأنّ المردودة ليست من المحسِّنات (والمبالغة) مطلقًا (أن يُدَّعَى لوصفٍ بلوغُهُ في الشدّة أو الضعف حدًّا مستحيلاً) عقلاً وعادةً أو عادةً لا عقلاً (أو) حدًّا (مستبعدًا) بأن كان قريبًا من المحال, وإنما يدّعى لوصفٍ ذلك البلوغ (لئلاّ يُظَنَّ أنه) أي: الوصف (غير متناهٍ فيه) أي: غير بالغٍ النهايةَ في الشدّة أو الضعف (وتنحصر) المبالغة (في) الأقسام الثلاثة (التبليغ) مأخوذ من ½بلغ الفارس¼ إذا مدّ يده بالعنان ليزداد الفرس في الجري (والإغراق) مأخوذ من ½أغرق الفرس¼ إذا استوفى الحدّ في جريه (والغلوّ) مأخوذ من ½غلا في الشيء¼ إذا تجاوز الحدّ فيه, وإنما انحصرت المبالغة في الأقسام الثلاثة (لأنّ المدّعى إن كان ممكنًا عقلاً وعادةً فـ) المبالغة (تبليغ كقوله) أي: قول امرئ القيس يصف فرسًا له بأنه لا يعرق وإن أكثر العدو (فَعَادَى عِدَاءً) أي: وَالَى الفرسُ مُوالاةً (بَيْنَ ثَوْرٍ) هو ذكر من بقر (وَنَعْجَةٍ *) هي أنثى من البقر, يقال ½وَالَى بَيْنَ الصَيْدَيْنِ¼ إذا ألقَى أحدَهما على وجه الأرض إثرَ الآخَر (دِرَاكًا) أي: متتابعًا (فَلَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ) أي: فلم يعرق (فَـ) لم (يُغْسَلْ) ادّعى أنّ فرسه أدرك ثورًا ونعجة في مضمار واحد ولم يعرق, وهذا ممكن عقلاً وعادة وإن كان مستبعدًا (وإنْ كان) المدّعى (ممكنًا عقلاً لا عادةً فـ) المبالغة (إغراق كقوله) أي: قول عمرو بن الأيهم (وَنُكْرِمُ جَارَنَا مَا دَامَ) مقيمًا (فِيْنَا * وَنُتْبِعُهُ الْكَرَامَةَ) أي: نرسل الإحسان الدافع لحاجته وحاجة عياله (حَيْثُ مَالاَ) أي: سار,