فَلَمْ تَرَهُمْ فِيْ مَدْحِهِمْ لَكَ أَذْنَبُوْا, ومنه حسنُ التعليل وهو أن يُدَّعَى لوصفٍ علّةٌ مناسِبةٌ له باعتبارٍ لطيفٍ غيرِ حقيقيٍّ, وهو أربعةُ أضرُب لأنّ الصفة إمّا ثابتة قصد بيان علّتها وإمّا غير ثابتة أريد إثباتها, والأولى إمّا أن لا يظهر لها في العادة علّة كقوله: لَمْ يَحْكِ نَائِلَكَ السَحَابُ وَإِنَّمَا * حُمَّتْ بِهِ فَصَبِيْبُهَا الرُخَصَاءُ أو يظهر لها علّةٌ غيرُ المذكورة كقوله: مَا بِهِ قَتْلُ أَعَادِيْهِ وَلَكِنْ * يَتَّقِيْ إِخْلاَفَ مَا تَرْجُو الذِئَابُ فإنّ قتل الأعداء في العادة لدفع مَضَرَّتهم لا لما ذَكَره, والثانيةُ إمّا ممكنة كقوله: يَا وَاشِيًا حَسُنَتْ فِيْنَا إِسَاءَتُهُ * نَجَّى حِذَارُكَ................
(فَلَمْ تَرَهُمْ فِيْ مَدْحِهِمْ لَكَ أَذْنَبُوْا) أي: فلم تعدّهم مذنبين في مدحهم لك فكذلك لم أعدّ مذنبًا في مدحي لهم, وصورة القياس هكذا: لو كان مدحي لآل جفنة ذنبًا لكان مدح ذلك القوم لك ذنبًا واللازم باطل فكذا الملزوم (ومنه) أي: ومن البديع المعنويّ (حسن التعليل وهو أن يُدَّعَى لوصفٍ علّةٌ مناسِبةٌ له) أي: لذلك الوصف (باعتبارٍ لطيفٍ) دقيق, متعلِّق بـ½يُدَّعَى¼ (غيرِ حقيقيٍّ) أي: لم يكن ما جعله المتكلّم علّة للوصف علّة له في الواقع (وهو) أي: حسن التعليل (أربعةُ أضرُب لأنّ الصفة) التي يدّعى لها علّة مناسِبة (إمّا ثابتة) في نفسها و(قصد بيان علّتها وإمّا غير ثابتة) في نفسها و(أريد إثباتها و) الصفةُ (الأولى) أي الثابتةُ التي قصد بيانُ علّتها (إمّا أن لا يظهر لها) أي: لتلك الصفة (في العادة علّة) أخرى, فاعل ½يظهر¼ (كقوله) أي: قول المتنبّي (لَمْ يَحْكِ) أي: لم يشبه (نَائِلَكَ) أي: عطاءَك (السَحَابُ) أي: عطاءُ السحاب, والسحاب جمع سحابة أو اسم جنس (وَإِنَّمَا * حُمَّتْ) أي: صارت السحاب محمومة (بِهِ) أي: بسبب نائلك وعلوّه عليها (فَصَبِيْبُهَا) أي: فالمطر المصبوب منها (الرُخَصَاءُ) وهو عرق المحموم, فنزول المطر صفة ثابتة لا يظهر لها في العادة علّة وعلّله بأنه عرق حمّى السحاب اللاحقة لها بسبب عظيم عطاء الممدوح (أو يظهر لها) أي: لتلك الصفة في العادة (علّةٌ غيرُ) العلّة (المذكورة) في الدعوى (كقوله) أي: قول المتنبّي (مَا بِهِ قَتْلُ أَعَادِيْهِ) أي: ليس بالممدوح خوف مضرّة يحمله على قتل أعدائه (وَلَكِنْ *) حمله على قتلهم أنه (يَتَّقِيْ) بقتلهم (إِخْلاَفَ مَا تَرْجُو) من الممدوح (الذِئَابُ) من إطعامه إيّاها لحومَ الأعداء, فلو لم يقتلهم لفات مرجوّ الذئاب منه (فإنّ قتل الأعداء في العادة لـ) علّة (دفع مَضَرَّتهم لا لـ) علّة (ما ذَكَره) من أنه للاتقاء من إخلاف مرجوّ الذئاب منه (و) الصفةُ (الثانيةُ) أي التي هي غير ثابتة وأريد إثباتُها (إمّا ممكنة كقوله) أي: قول مسلم بن الوليد (يَا وَاشِيًا) أي: نمّامًا (حَسُنَتْ فِيْنَا) أي: عندنا (إِسَاءَتُهُ *) أي: إفسادُه, والجملة صفة لـ½واشيًا¼, وهي صفة غير ثابتة عادة فعلّل ثبوتها بقوله (نَجَّى حِذَارُكَ) من إضافة المصدر إلى المفعول والفاعل محذوف أي: حِذاري منك