إِنْسَانِيْ مِنَ الْغَرَق فإنّ استحسان إساءة الواشي ممكن لكن لمّا خالف الناسَ فيه عقّبه بأنّ حِذاره منه نجّى إنسانَه من الغرَق في الدموع, أو غير ممكنة كقوله: لَوْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةُ الْجَوْزَاءِ خِدْمَتَهُ * لَمَا رَأَيْتَ عَلَيْهَا عِقْدَ مُنْتَطَق, وأُلحِق به ما بني على الشكّ كقوله: كَأَنَّ السَحَابَ الْغُرَّ غَيَّبْنَ تَحْتَهَا * حَبِيْبًا فَمَا تَرْقَا لَهُنَّ مَدَامِعُ, ومنه التفريع وهو أن يُثبَت لمتعلَّقِ أمرٍ حكمٌ بعد إثباته لمتعلَّقٍ له آخَرَ كقوله: أَحْلاَمُكُمْ لِسَقَامِ الْجَهْلِ شَافِيَةٌ * كَمَا دِمَاؤُكُمْ تَشْفِيْ مِنَ الْكَلَبِ, ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذمّ, وهو ضربان أفضلهما...................................
(إِنْسَانِيْ) أي: إنسانَ عيني (مِنَ الْغَرَق) في الدموع, وغرقُ إنسان العين في الدموع كنايةٌ عن العمى (فإنّ استحسان إساءة الواشي ممكن لكن لمّا خالف) الشاعرُ (الناسَ فيه) أي: في استحسانه إيّاها إذ لا يستحسنها الناس (عقّبه) أي: جاء عقبَ استحسانه إيّاها (بأنّ حِذاره منه) أي: حذار الشاعر من الواشي (نجّى إنسانَه من الغرَق في الدموع) فلمَ لا يستحسنها (أو غير ممكنة) عطف على ½ممكنة¼ أي: الصفة الثانية التي هي غير ثابتة وأريد إثباتها إمّا ممكنة كما مرّ أو غير ممكنة (كقوله) أي: قول المصنّف, ولم يقل ½كقولي¼ إمّا للتجريد أو لأنه ترجمة لبيت بالفارسيّة (لَوْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةُ الْجَوْزَاءِ) هي برج من البروج الفلكيّة وحولها نجوم تسمّى نِطاقَ الجوزاء, والنِطاق ما يشدّ به الوسط (خِدْمَتَهُ * لَمَا رَأَيْتَ عَلَيْهَا عِقْدَ مُنْتَطَق) أي: مشدودًا في وسطها كالنطاق, فنيّة الجوزاء خدمةَ الممدوح صفة غير ثابتة وغير ممكنة فعلّل ثبوتها برؤية عقد النطاق عليها (وأُلحِق به) أي: بحسن التعليل (ما بني) أي: علّة أتي بها (على) وجه (الشكّ) فيؤتى في الكلام بما يدلّ على الشكّ (كقوله) أي: قول أبي تمّام (كَأَنَّ السَحَابَ الْغُرَّ) جمع الأغرّ, والمراد السحاب الماطرة الغزيرة الماء (غَيَّبْنَ تَحْتَهَا *) أي: تحت الربا المذكورة في البيت قبله (حَبِيْبًا) مفعول ½غَيَّبْنَ¼ (فَمَا تَرْقَا) أي: لا تسكن (لَهُنَّ مَدَامِعُ) فنزول المطر من السحاب على الربا صفة ثابتة لا يظهر في العادة علّة وعلّل ثبوتها على وجه الشكّ بأنّ السحاب غيّبت حبيبًا تحت الربا فهي تبكي عليها (ومنه) أي: ومن البديع المعنويّ (التفريع وهو أن يُثبَت لمتعلَّقِ أمرٍ حكمٌ بعد إثباته) أي: إثبات ذلك الحكم (لمتعلَّقٍ له) أي: لذلك الأمر (آخَرَ) صفة ½متعلَّق¼ (كقوله) أي: قول الكميت يمدح آل البيت (أَحْلاَمُكُمْ) أي: عُقولُكم (لِسَقَامِ) أي: لمرض (الْجَهْلِ شَافِيَةٌ * كَمَا دِمَاؤُكُمْ تَشْفِيْ مِنَ الْكَلَبِ) الكلَب داء يشبه الجنون يحدث من عضّ الكلْب, فأهل البيت له متعلَّقان الأحلامُ والدماءُ أثبت لأحدهما الشفاء بعد إثباته للآخر (ومنه) أي: ومن البديع المعنويّ (تاكيد المدح بما يشبه الذمّ وهو ضربان أفضلهما) أي: أحسن الضربين