لم يقدّر متّصلاً فلا يفيد التأكيد إلاّ من الوجه الثاني ولهذا كان الأوّل أفضلَ, ومنه ضربٌ آخرُ نحو: ﴿ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بَِٔايَٰتِ رَبِّنَا ﴾ [الأعراف:١٢٦], والاستدراك في هذا الباب كالاستثناء كما في قوله: هُوَ الْبَدْرُ إِلاَّ أَنَّهُ الْبَحْرُ زَاخِرًا * سِوَى أَنَّهُ الضِرْغَامُ لَكِنَّهُ الْوَبْلُ, ومنه تأكيد الذمّ بما يشبه المدح, وهو ضربان أحدهما أن يُستثنَى من صفةِ مدح منفيّةٍ عن الشيء صفةُ ذمٍّ بتقدير دخولها فيها كقولك: ½فلان لا خير فيه إلاّ أنه يُسيءُ إلى مَن أحسَنَ إلـيه¼, وثانـيـهما أن يُـثبَت للشيء صفةُ ذمٍّ وتُـعـقَّب بأداة استثناءٍ تليـها صفةُ ذمٍّ أخرى له
المنقطع في هذا الضرب (لم يقدّر متّصلاً) كما قدّر في الضرب الأوّل بل أبقي على حاله من الانقطاع (فلا يفيد التأكيد إلاّ من الوجه الثاني) من الوجهين المذكورين في الضرب الأوّل وهو أنّ الأصل في مطلق الاستثناء هو الاتصال فذِكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج الشيء ممّا قبلها فإذا وليها صفة مدح جاء التأكيد (ولهذا) أي: ولأجل أنّ التأكيد في الضرب الأوّل من وجهين وفي الثاني من وجه واحد فقط (كان) الضرب (الأوّل أفضلَ) من الثاني (ومنه) أي: ومن تأكيد المدح بما يشبه الذمّ (ضربٌ آخرُ) غير الضربين الأوّلين وهو أنْ يؤتى بالاستثناء مفرَّغًا ويكون العامل فيه معنى الذمّ والمستثنى فيه معنى المدح (نحو) قوله تعالى: (﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بَِٔايَٰتِ رَبِّنَا ﴾) أي: وما تعيب منّا يا فرعون إلاّ الإيمان بآيات الله, وهذا كالضرب الأوّل في إفادة التأكيد من وجهين (والاستدراك في هذا الباب) أي: في باب التأكيد بما يشبه الذمّ (كالاستثناء كما في قوله) أي: قول أبي الفضل بديع الزمان الهمذاني في مدح خلف بن أحمد السجستاني (هُوَ الْبَدْرُ) من جهة الرفعة والشرف (إِلاَّ أَنَّهُ الْبَحْرُ) من جهة الكرم (زَاخِرًا *) أي: مرتفعًا من تلاطم الأمواج (سِوَى أَنَّهُ الضِرْغَامُ) أي: الأسد من جهة الشَجاعة والقوّة (لَكِنَّهُ الْوَبْلُ) جمع وابل وهو المطر الغزير, فقوله ½إلاّ أنه البحر¼ و½سوى أنه الضرغام¼ من الضرب الثاني, وقوله ½لكنه الوبل¼ أيضًا منه لأنه استدراك يفيد فائدة الاستثناء في هذا الباب (ومنه) أي: ومن البديع المعنويّ (تأكيد الذمّ بما يشبه المدح وهو ضربان أحدهما أن يُستثنَى من صفةِ مدح منفيّةٍ عن الشيء صفةُ ذمٍّ بتقدير دخولها فيها) أي: بسبب الفرض أنّ صفة الذمّ داخلة في صفة المدح (كقولك ½فلان لا خير فيه إلاّ أنه يُسيءُ إلى مَن أحسَنَ إليه¼) أي: انتفت عنه صفات الخير إلاّ هذه الصفة وهي الإساءة إلى المُحسِن إليه إن كانت خيرًا لكنها ليست خيرًا فلا خير فيه أصلاً, وكذا قولك ½فلان لا خير فيه إلاّ أنه يتصدّق بما يسرقه¼ (وثانيهما أن يُثبَت للشيء صفةُ ذمٍّ وتُعقَّب) تلك الصفة (بأداة استثناءٍ تليها) أي: تتّصل الأداةَ (صفةُ ذمٍّ أخرى) كائنةٌ (له) أي: لذلك الشيء