عنوان الكتاب: تلخيص المفتاح

لوجهَيْنِ مختلِفَيْنِ كقول من قال لأعور: ½لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءْ¼, قال السكّاكيّ: ومنه متشابِهاتُ القرآن باعتبارٍ, ومنه الهزْل الذي يراد به الجِدّ كقوله: إِذَا مَا تَمِيْمِيٌّ أَتَاكَ مُفَاخِرًا * فَقُلْ عَدِّ عَنْ ذَا كَيْفَ أَكْلُكَ لِلضَبِّ, ومنه تجاهل العارف وهو كما سمّاه السكّاكيُّ سوقُ المعلوم مَسَاقَ غيرِه لنكتةٍ كـالتوبيخ في قول الخارجيّة: أَيَا شَجَرَ الْخَابُوْرِ مَا لَكَ مُوْرِقًا * كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيْفِ, والمبالغةِ في المدح كقوله: أَ لَمْعُ بَرْقٍ سَرَى أَمْ ضَوْءُ مِصْبَاحٍ * أَم ابْتِسَامَتُهَا بِالْمَنْظَرِ الضَاحِيْ, 

 (لوجهَيْنِ مختلِفَيْنِ) متضادّين كالسبّ والدعاء (كقول من قال لأعور) وهو عمرو الخيّاط وذلك القائل بشّار بن برد: خَاطَ لِيْ عَمْرٌو قَبَاءْ * (لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءْ) فإنه يحتمل الدعاءَ له ويحتمل الدعاءَ عليه على السواء (قال السكّاكيّ: ومنه) أي: ومن التوجيه (متشابِهاتُ القرآن باعتبارٍ) أي: باعتبارِ أنها تحتمل وجهين مختلفين وأمّا باعتبار عدم استواء الاحتمالين فليست منه (ومنه) أي: ومن البديع المعنويّ (الهزْل) أي: اللهو (الذي يراد به الجِدّ) وهو أن يذكر الشيء على سبيل اللهو ويقصد به أمر صحيح, والجِدّ ضدّ الهزْل (كقوله) أي: قول أبي نُوَاس (إِذَا مَا تَمِيْمِيٌّ أَتَاكَ مُفَاخِرًا * فَقُلْ عَدِّ عَنْ ذَا) أي: جاوِزْ هذا الافتخارَ واتْرُكْه وقُلْ لي (كَيْفَ أَكْلُكَ لِلضَبِّ) فهذا هزْل أريدَ به الجِدُّ وهو ذمّ التميميّ بأكله الضبَّ, والفرق بينه وبين التهكّم أنّ التهكّم ظاهره جِدّ وباطنه هزْل وهذا بعكسه (ومنه) أي: ومن البديع المعنويّ (تجاهل العارف وهو كما سمّاه السكّاكيُّ سوقُ) الشيء (المعلوم مَسَاقَ) مصدر ميميّ (غيرِه) أي: سوقَ غير المعلوم (لنكتةٍ) متعلِّق بـ½تجاهل¼ (كـ) نكتة (التوبيخ في قول) ليلى بنت طريف (الخارجيّة) ترثي أخاها الوليد حين قتله يزيد: (أَيَا شَجَرَ الْخَابُوْرِ) الخابور نهر في ديار بكر ينبت على حافتيه الأشجار وشجر الخابور نوع من ذلك الشجر (مَا) أي: أيّ شيء ثبت (لَكَ) حال كونك (مُوْرِقًا *) أي: مُخرِجًا وَرَقَك (كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيْفِ) فإنها علمت أنّ الشجر لا يجزع فتجاهلت ووبّخته على إخراج الورق, وإذا الشجر وبّخ على عدم الجزع فغيره من ذوي العقل أحرى بالتوبيخ على عدم الجزع على موت ابن طريف (و) كنكتة (المبالغةِ في المدح كقوله) أي: قول البحتري (أَ لَمْعُ بَرْقٍ سَرَى) أي: ظهر بالليل, وهو صفة لـ½برق¼ (أَمْ ضَوْءُ مِصْبَاحٍ * أَم ابْتِسَامَتُهَا) أي: أم ضوء أسنانها عند ابتسامها (بِالْمَنْظَرِ الضَاحِيْ) أي: في الوجه الظاهر, فالشاعر يعلم أنه ليس ثمّه إلاّ ابتسامها لكنه تجاهل وأظهر أنه التبس عليه الأمر فلم يدر هل هذا اللمعان المشاهَد من أسنانها عند الابتسام لمْعُ برقٍ سرى أم هو ضوءُ مصباح أم هو ضوءُ ابتسامتها, فهذا التجاهل للمبالغة في المدح


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

229