كقولك لصاحبك وقد رأيت شَبْحًا من بعيد: ½ما هو إلاّ زيد¼ إذا اعتقده غيرَه مُصِرًّا, وقد ينزّل المعلوم منزلة المجهول لاعتبارٍ مناسبٍ فيستعمل له الثاني إفرادًا نحو: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ﴾ [آل عمران:١٤٤] أي: مقصور على الرسالة لا يتعدّاها إلى التبرّء من الهلاك, نُزِّل استعظامُهم هلاكَه منزلة إنكارهم إيّاه, أو قلبًا نحو: ﴿ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا ﴾ [إبراهيم:١٠] لاعتقاد القائلين أنّ الرسول لا يكون بشرًا مع إصرار المخاطَبين على دعوى الرسالة، وقولُهم: ﴿إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ [إبراهيم:١١] من باب مُجاراة الخصم ليعثر حيث يراد تبكيته
ومثّل لأصل الطريق الثاني بقوله (كقولك لصاحبك وقد رأيت) أنت وصاحبُك (شَبْحًا) أي: شخصًا (من) مكان (بعيد: ½ما هو إلاّ زيد¼ إذا اعتقده غيرَه) أي: إذا اعتقد صاحبُك ذلك الشَبْحَ غيرَ زيد (مُصِرًّا) على اعتقاده (وقد ينزّل) هذا مقابل لقوله ½وأصل الثاني...إلخ¼ أي: أصل الثاني ما ذُكِر وقد ينزّل الحكم (المعلوم) للمخاطب (منزلة) الحكم (المجهول) عنده, وهذا التنزيل يكون (لـ) أجل (اعتبارٍ مناسبٍ) للمقام (فـ) بسبب هذا التنزيل (يستعمل له) أي: للحكم المعلوم الطريقُ (الثاني) أي: النفيُ والاستثناءُ حال كون القصر فيه (إفرادًا نحو) قوله تعالى: (﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ﴾ أي:) هو (مقصور على الرسالة لا يتعدّاها) أي: لا يتجاوز الرسالةَ (إلى التبرّء من الهلاك) أي: الموت, فالصحابة كانوا عالمين بأن النبيّ جامع بين الرسالة والموت ولكنهم لمّا كانوا يستعظمون موته (نُزِّل استعظامُهم هلاكَه) أي: عدُّهم موتَه أمرًا عظيمًا (منزلة إنكارهم إيّاه) أي: هلاكَه, فكأنهم قالوا هو رسول متبرّء من الموت فقيل هو مقصور على الرسالة لا يتعدّاها إلى التبرّء من الموت (أو) حال كون القصر فيه (قلبًا نحو) قوله تعالى حكاية عن الكفّار (﴿إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا ﴾) فلم يكن الرسل جاهلين ببشريتهم لكنّ الكفّار نزّلوهم منزلة الجاهلين به (لاعتقاد القائلين) أي: الكفّار (أنّ الرسول لا يكون بشرًا) وإنما يكون ملَكًا (مع إصرار المخاطَبين) أي: الرسل (على دعوى الرسالة) المستلزمة لنفي البشريّة في زعم الكافرين, فنفوا ما ادّعاه الرسل من الرسالة وأثبتوا ما نفاه الرسل في زعمهم الباطل من البشريّة, ويتوهّم هنا أنّ قول الرسل ﴿ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ تسليم لانتفاء الرسالة عنهم مع أنه محال فدفعه بقوله (وقولُهم) أي: قول الرسل للكفّار (﴿إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ من باب مُجاراة الخصم) أي: من الجري معه بتسليم بعض مقدّماته (لـ) أجل أن (يعثر) أي: يسقط فيرجع عمّا قال إلى الحقّ (حيث) أي: إنما يفعل ذلك لأنه (يراد تبكيته) أي: إسكات الخصم,