الحجاب وقاية من الاختلاط والفساد | الشيخ فارس عمران


نشرت: يوم الإثنين،05-يوليو-2021

الحجاب وقاية من الاختلاط والفساد

ستون بالمئة من النساء في بلجيكا تعرضن للتحرّش منذ بلغن الخامسة عشرة من العمر، بينما نجد النسبة ترتفع في دول أخرى لتصل إلى 75%، هذا ما تعرضه آخر الإحصائيات في تلك البلاد، وقد نجد هذه الأرقامَ صادمةً خصوصاً إذا ما قورنت بالنسب المنخفضة للتحرّش في بلاد المسلمين، ولا شكّ أن الاختلاط هو من أهم العوامل التي جعلت نسبة التحرّش ترتفع في تلك البلاد إذا ما قورنت ببلاد غيرهم.

وهذا حريٌّ بأن يدعو العاقل اللبيب للتوقّف مليًّا عند عواقب هذا النوع من الاختلاط، ومعرفة ما يترتّب عليه من النتائج، سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع. كما هو حريٌّ بكلِّ مسلم أن يعلم حكمَ الشريعة في الاختلاط غير المنضبط بين النساء والرجال وبعض ما ورد في الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة في ذلك، وهذه لمحة موجزة عن شيء من ذلك.

إن الاختلاط غير المنضبط بين النساء والرجال من الأمور الخطيرة التي بدأت تفشو في مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة، وبدأت تزداد هذه الظاهرة وتسري كالنار في الهشيم يوما بعد يوم خصوصًا مع التقدّم التكنولوجي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتنوُّعِ وسائل الإعلام، ومع انتشار هذه الظاهرة بدأت مخاطرها على المجتمع تظهر جليّةً يومًا بعد يوم، وقد حذرنا شرعنا الحنيف من قبل من خطورة هذه الأمور، وحثنا على اجتناب الخلوة بالنساء، وحث النساء على التستر والعفاف، وما ذاك إلا رعايةً لمصالح المرأة وصوناً للمجتمع الإسلامي من الانحلال والفساد الذي يقود إلى دَمار الأسرة، والذي يؤدّي بدوره إلى دَمار المجتمع وخراب البلاد.

ما ورد في القرآن من التحذير من الاختلاط غير المنضبط:

وإذا أجلنا النظر في كتاب الله عز وجل فإننا نرى الباري سبحانه وتعالى قد أمر نساء النبي ﷺ -اللاتي هن خير النساء- بالتستر والاحتجاب، وأخبرنا أنَّ ذلك أطهر للقلوب، فقال تعالى:

﴿وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ﴾

قال الإمام الآلوسي رحمه الله عند تفسير هذه الآية:

﴿أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ﴾

أيْ: أكثر تطهيرا من الخواطر الشيطانية التي تخطر للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال فإن الرؤية سبب التعلق والفتنة، وفي بعض الآثار "النظر سهم مسموم من سهام إبليس"، وقال الشاعر:

والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين العين موقوف على الخطر

يسر مقلته ما ساء مهجته *** لا مرحبا بانتفاع جاء بالضرر

الأحاديث الواردة في النهي عن الاختلاط غير المنضبط بالنساء والخلوة بهن:

وأما في السنة المطهرة فقد وردت أحاديث كثيرة تحذّر المسلمين من خطورة الاختلاط غير المنضبط مبيِّنةً أن ذلك أمر شديد الخطورة، فمن ذلك قول ما رواه الإمام البخاري رحمه الله عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

إيّاكم والدّخولَ على النّساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول اللّه ﷺ! أفرأيتَ الْحَمْوَ؟ قالَ ﷺ: الحمو "الموْت"

وقد بيَّن الإمام المناوي رحمه الله تعالى ما في هذا الحديث من المعاني فقال: (إياكم والدخول) وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أيْ: اتقوا الدخول (على النساء) ودخول النساء عليكم وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم

قصة عن عواقب الخلوة والاختلاط:

ثم ذكر المناوي رحمه الله قصة أوردها الإمام الغزالي رحمه الله عن خطورة الخلوة فقال: وذكر الغزالي رحمه الله تعالى: أن راهبًا من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فَاقْتُلْها وقل لأهلها: ماتت، فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها، فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان: اسجد لي تنج فسجد له، فانظر إلى حيله كيف اضطرّه إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده(المرجع السابق).

ولا يفهم من هذه القصة أنه لا يجوز للمرأة مطلقًا أن يعالجها طبيب عند الحاجة ضمن الضوابط التي بيّنها الفقهاء، وإنما المقصود بيان ما قد يؤدّي إليه الاختلاط غير المنضبط سيما إذا ما انضمّ إليه فساد النفوس وانعدام الأخلاق.

التحذير النبويّ من خطورة التساهل في الاختلاط:

وفي هذا الحديث سأل الصحابة النبي ﷺ عن الحمو وهو أقارب زوج المرأة، وهذا من الأمور التي ينبغي الانتباه إليها كثيرًا في هذا الزمان، فقد انتشر التساهل في ذلك مرةً بحجة القرابة، ومرةً بحجة صفاء القلوب، والنبي ﷺ بيّن خطورة ذلك وما له من العواقب الوخيمة على كلٍّ من الرجل والمرأة، وقد قال ﷺ بذلك أصالةً خيرَ البشر بعد الأنبياء والمرسلين وأطهرَهم قلوباً وأرَقَّهم أفئدةً وهم الصحابة الكرام عليهم الرحمة والرضوان، فكيف بنا ونحن المقصرون البعيدون!؟

قال الإمام المناوي: -وتمام الحديث- (قالوا: يا رسول الله ﷺ! أرأيت الحمو قال: الحمو الموت) أي: دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرّم شديد التحريم، وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموتَ لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة، وخرج هذا مخرج قولهم "الأسد الموت"، أي: لقاؤه يفضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وقال النووي رحمه الله تعالى:..وإنما المراد أن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيره والشرّ يتوقع منه أكثر من غيره والفتنة به أمكن لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير نكير عليه بخلاف الأجنبي . وقال عياض : معناه أن الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت وأورد الكلام مورد التغليظ

التحذير النبويّ من خطورة الخلوة بالنساء:

ومن الأحاديث الواردة في ذلك قول النبي ﷺ:

ألاَ لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ لا تَحِلُّ له فإنَّ ثالثَهما الشَّيطانُ

وفي هذا الحديث نهيٌ ظاهرٌ عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، ولا شكَّ في أن الاختلاط من أوسع الأبواب التي تقود إلى الخلوة المحرمة وتسهل طريقها، وهذا ما نراه كل يوم في الشوارع والأسواق.

قال المناوي رحمه الله: (ألا لا يخلون رجل بامرأة) أَيْ: أجنبية (إلا كان الشيطان ثالثهما) بالوسوسة وتهييج الشهوة، ورفع الحياء، وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه، والنهي للتحريم

ولو ذهبنا نستعرض الآيات والأحاديث الواردة في التحذير من الاختلاط لطال بنا المطال ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الله به العناية.

المفاسد المترتبة على الاختلاط غير المنضبط بالضوابط الشرعية:

إن المفاسدة المترتّبة على هذا النوع من الاختلاط كثيرة لا تكاد تنحصر، نذكر منها:

1- فساد الأسرة: فإن الاختلاط وخصوصا مع عدم الحجاب الشرعي من الأسباب التي تؤدّي إلى تفكّك كثير من الأسر، فكم رأينا من أسرة كان الوِئام يضمّها بجناحيه، والرحمة تكتنفها من كل جانب حتى دبَّ التفلّت للزوج وانساق بسبب تساهله بالاختلاط مع النساء وراء شهواته فوقع بما لا يرضي الله وكان ذلك سبب طلاقه وتشرَّدَ (أي: تفرَّقَ) أولاده من بعد.

2- الاختلاط سبب من أسباب سوء الظن: فإن التساهل في خِلطة النساء بالرجال يقود إلى وقوع الشك في النفوس، فكم سمعنا عن نساءٍ تساهلن في أمر الاختلاط مع الرجال، فكان ذلك سببا لوقوع الناس فيهن وتأليف الكلام عليهنَّ، فكنَّ بذلك سبباً لانتشار الغيبة والنميمة وظنِّ السوء ثم رجع كل ذلك عليهن بالوبال والسوء.

3- كلما انتشر التبرّج والاختلاط كما نراه اليوم كثيراً في وسائل الإعلام ازدادت نسبة العازفين عن الزواج في المجتمع؛ لأن انتشار الاختلاط في المجتمع في الأعمّ الأغلب يصحبه التفلّت والتَّهتُّك، ولا يخفى ما في ذلك من مفاسدَ وأضرارٍ. وقد أمر النبي ﷺ الشباب بالزواج وقايةً للمجتمع من أمثال هذه المفاسد فقال ﷺ:

يا معشر الشّباب! مَنِ استطاع منكم البَاءَةَ فليتزوّج، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج

4- يُعدُّ الاختلاط سببًا رئيسيًّا من أسباب انتشار الجرائم في المجتمع، فلا يخلو مجتمع من ضعاف النفوس والمتفلّتين الذين غادرهم الحياءُ وارتحلت عنهم مكارم الأخلاق، فالاختلاط بابٌ يسوقُ أمثال هؤلاء للوقوع بالتحرّش بالنساء، ومن ثمّ وقوع الفساد والفتن في المجتمع، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ نساءنا وشبابنا ومجتمعاتنا من كل فتنة وسوء.

5- زوال المحبّة بين الزوجين يعدُّ من الأمور الشائعة في المجتمعات التي يكثر فيها الاختلاط حيث تخالط المرأةُ رجالاً كثيرا، كما يخالط الرجل نساءً كثيراتٍ، مما يجعل كل واحد منهما غيرَ راضٍ بالآخر، وتلك هي الشرارة الأولى التي يعقبها في الغالب الطلاقُ وضياع الأسرة والأولاد.

6- لا شكَّ في أن الاختلاط غير المنضبط يقود إلى انتشار الفاحشة بين المسلمين، وما إن تنتشر الفاحشة في مجتمع حتى يعمّه غضب الله سبحانه وتعالى، وقد قال سبحانه وتعالى محذّراً من خطورة ذلك فقال تعالى:

﴿وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا ٣٢﴾

وما أجمل ما قاله العلامة الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى في هذا السياق: وإذا كان النظر إلى زينة المرأة، والتأمل في محاسن وجهها وسيلةَ تعلقِ القلب بها، وتعلقُ القلب مدرجة الفتنة، فالاختلاط الذي يستدعي تكرار النظر، ويجر إلى الأخذ بأطراف الحديث يكون بلا ريب أمرا منكرًا؛ إذ هو الوسيلة المباشرة لزلزلة نفوس الفتيان والفتيات بعد سكونها زلزلة قد تذهب بأعراضٍ كانت مصونة، وإذا دخل ابتذال العرض في الأسرة فمن أين لنا أن نكوّنها على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء؟

وختاماً...رأينا كيف حذرنا الشرع الشريف من مغبَّة الاختلاط الفاسد كما رأينا ما يترتب عليه من الويلات والمفاسد، فجديرٌ أيها الأحبة الفضلاء! بكلِّ واحد منا رجالا ونساءً، شيوخاً وشباباً أن يجتنب ذلك كلّ الاجتناب طاعةً لله سبحانه وتعالى ورعايةً لحق الدين وصوناً لأعراض المسلمين لنفوز بسعادة الدارين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الإسلام والمسلمين، وأن يردَّنا إلى دينه رداً جميلاً، إنه سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية