مدونات مختارة
الأكثر شهرة
الدرر الغراء في سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها | محمد رضا القريشي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد المصطفى الأمين ﷺ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه البررة الميامين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وبعد: فهناك العديد من الدروس والعبر المستوحاة من حياة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وحريّ بكل مسلم أن يتوقف عندها ويتأملها للاستفادة منها، وبهذا الصدد كتبنا هذه الكلمات المختصرة والدرر البهية المنتَثِرة من سيرة ومناقب السيدة المعتبرة، آخر بنات سيدنا رسول الله ﷺ وأحبّهن إليه.
من هي فاطمة الزهراء رضي الله عنها؟ هي بنت من ؟.... هي زوجة من؟.... هي أمّ من؟
إنها بنت خير المرسلين... سيد ولد آدم ... حبيبنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه....
وهي ابنة السيدة خديجة رضي الله عنها-التي تدعى في الجاهلية بـ "الطاهرة" وتنعت بسيدة نساء قريش، وكانت أول النساء إيمانًا ودخولا في الإسلام-.
وهي زوجة سيدنا علي بن أبي طالبرضي الله عنه أيضًا الذي كرّمه الله بالإسلام صبيًّا، فما انحنى لوثن ولا سجد لصنم أبدًا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وخليفة المسلمين الرابع رضي الله عنه وأرضاه.
وهي أم الحسنين .... هما سيدا شباب أهل الجنة.... وسبطا النبي ﷺ وريحانتَيْه في الدنيا.
مولدها وتسميتها:
ولدت رضي الله تعالى عنها بمكة المكرمة قبل البعثة بخمس سنين، حيث كانت قريش تجدد بناء الكعبة (الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/ 19)
في بيت اختاره الله سبحانه مهبطًا للوحي ومقرًّا للنبوة وتبليغ الرسالة، فأزهر ذلك النور المحمدي في بيوتات مكة وأضاء الله تعالى بنوره الأرض، فاستبشر بها رسول الله ﷺ فسمّاها "فاطمة"، وسميت بهذا الأسم؛ لأن الله فطمها وحجبها عن النار (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب للمناوي: 1/24)،
وكانت شديدة الشَّبه برسول الله ﷺ.
عائلتها الكريمة:
ولدت رضي الله عنها في عائلة هي أكرم عوائل البشر، فأبوها سيدنا محمد رسول الله الذي عرفته قريش بأنه الصادق الأمين، وأنه أنهل شبابها وأفضلهم وجهًا وسمتًا وأخلاقًا ووصفًا ﷺ، وأمها هي السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها عظيمة الشأن، كريمة الخلق، وهي سيدة نساء مكة شرفًا وكرمًا وعفة ورفعة، نعم هذا هو البيت الذي ولدت فيه سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها..
إخوتها وأخواتها:
السيدة فاطمة رضي الله عنها هي أصغر بنات رسول الله ﷺ، ولها ثلاثة إخوة وثلاث أخوات كلهم أشقاء من أبيها رسول الله ﷺ وأمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلا أخيها إبراهيم بن محمد (الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: 4/1818 (، الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/15))
فهو من السيدة مارية القبطية رضي الله عنها، وإخوة وأخواتها: هم القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وعبد الله رضي الله عنهم.
كنيتها وألقابـها:
كانت تكنى بـ"أم السبطين، وأم المحسن، وأم الأئمة وأم أبيها"، ووجه كنية "أم أبيها" لقيامها على رعايته بعد وفاة أمها خديجة ووفاة أخواتها الكرام رضي الله عنهن أجمعين.
وأمّا ألقابها فهي كثيرة في كتب الأحاديث والسير فهي النقية التقية الصدّيقة، البتول، الزهراء، السيدة التي أكرمها الله فقال في حقها الحبيب المصطفى ﷺ:
«يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين؟»( (المستدرك على الصحيحين للحاكم: 4740، صحيح مسلم: 2450).
تربيتها ونشأتها:
نشأت رضي الله عنها في بيت النبوة، معدن العلم والشرف والتقوى، حيث يغدو رسول الله ويروح، وتتنزل الملائكة، وتربّت في ذلك البيت الفاضل على أفضل الأخلاق وأحسن الشمائل، وكيف لا تكون كذلك وهي خريجة مدرسة أفضل الخلائق على الإطلاق الذي بعثه الله متمماً للأخلاق. فمنه تعلمت الصدق والأمانة، والعفة والصيانة، وتلقّت منه القرآن والحكمة، والرأفة والرحمة، والتواضع والعلم. فهي خريجة مدرسة النبوة وكلية الوحي والرسالة.
صفاتها الخِلقية والخُلقية:
كانت فاطمة الزهراء رضي الله عنها أشبه الناس سمتًا وهديًا برسول الله ﷺ فقد أخبرتنا أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:
«ما رأيت أحدًا أشبه سمتًا ودلا وهديًا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله ﷺ».
وقالت:
«وكانت إذا دخلت على النبي ﷺ قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي ﷺ إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها (سنن الترمذي: 3872).
وقالت أيضاً:
ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا برسول الله ﷺ من فاطمة (صحيح ابن حبان: 6953).
زواجها المباركة:
ترعرعت السيدة فاطمة رضي الله عنها في بيت النبوة فتربّت تربية نبوية، وحين بلغت الثامنة عشر سنة زوجّها النبي ﷺ من سيدنا علي بن أبي طالبرضي الله عنه في شهر صفر عام 2 هـ (مرقاة المفاتيح للملّا علي القاري: 9/3965 بتصرف.)،
وكان تزويجه ﷺ فاطمة لعلي رضي الله عنهما بأمر الله تعالى فعن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
«إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي رضي الله عنهما » (المعجم الكبير للطبراني: 10305).
وكان زواجها سهلاً مُيَّسرًا مباركًا، فعن سيدنا عليرضي الله عنه قال:
جهَّز رسول الله ﷺ فاطمة في خميل (قطيفة)، وقِرْبة، ووسادة أدم (جلد) حشوها إذخر (نبات رائحته طيبة) (سنن النسائي: 3844).
خدمة لزوجها وصبرها على ضيق العيش:
قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: إنّ خدمة البيت تُلزم المرأة ولو كانت الزوجة ذات قدر وشرف، إذا كان الزوج معسرًا؛ ولذلك ألزم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاطمة بالخدمة الباطنة وعليًّا بالخدمة الظاهرة (فتح الباري لابن حجر: 9/507).
وقد تميزت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بصبرها على ضيق المعيشة، ورضاها بما قسمه الله لها وهي خير زوج، صبرت وصابرت على شظف العيش وخدمتها لزوجها وصبيانها، وكانت من النسّاك الأصفياء وصفيات الأتقياء، وعن الدنيا ومتعتها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني: 2/39 ملخصًا).
أبناؤها وبناتها:
أنجبت فاطمة رضي الله تعالى لعلي ستة أولاد: وهم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة والمحسن وثلاث بنات هن: زينب وأم كلثوم ورقية ومن خصائصها أن عقب النبي ﷺ انحصر في ولدها، ومِنْهَا امتداد ذريته ﷺ من بعده، وأن المهدي المنتظر يكون عند أهل السنة والجماعة من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما، وقد التقى رسول الله ﷺ مرة بفاطمة وعليّ والحسن والحسين فأمسك كساءً وألقاه عليهم جميعاً ثم قال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (سنن الترمذي: 3205).
دور السيدة فاطمة الزهراء في الإسلام:
للسيدة فاطمة رضي الله عنها دور كبير في التاريخ الإسلامي، إذ يتجلى هذا الدور في حسن تربيتها لسيدنا الحسن والحسين رضي الله عنهما، فصارا قائدَيْنِ في الأمة وسيدَيْ شبابِ أهل الجنة (سنن ابن ماجه: 118)،
فإن أردت أن تبحث عن تربية كان نتاجها أولاداً فيهم العلم والأدب والخلق والدين والجهاد والقيادة فانظر إلى تربية السيدة فاطمة لأبنائها؛ لأن أعظم دورٍ تقوم به المرأة بلا شك أن تُخرِج للأمة أبطالاً وقادة، ليكونوا أعظم القادة للشباب.
فضائلها ومناقبها:
وقد وردت لها فضائل كثيرة، ومناقبها في الأحاديث النبوية الشريفة وفيرة..
«فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني» (صحيح البخاري: 3714)
«يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة» (صحيح البخاري: 6285)
إذا كان يوم القيامة، قيل: «يا أهل الجمع غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت رسول الله فتمر وعليها ريطتان خضراوان» (المعجم الأوسط للطبراني: 1344)
«إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم عليّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». (سنن الترمذي: 3781)
انتقالها إلى الدار الآخرة:
تُوفّيت بالمدينة المنورة بعد انتقال النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى بستة أشهر تقريباً ليلة الثلاثاء لثلاث خلوْن من رمضان سنة 11 هـ، وهي ابنة تسع وعشرين سنة وغسَّلها زوجها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وصلَّى عليها ودُفنت ليلاً (المواهب اللدنية للقسطلاني: 1/483 ملخصًا).
وكان من أحزَنِ الناس في وفاة الزهراء زوجها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حتى أنه قال مقولة عند موتها رضي الله عنها:
لكل اجتماع من خليلين فرقة ... وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد ... دليل على أن لا يدوم خليل» (المستدرك على الصحيحين للحاكم: 4768)
وصية السيدة فاطمة الزهراء:
ولما حضرتها الوفاة تولت أمر غسل نفسها بيدها وقالت لصاحبتها أسماء بنت عميس بعد أن اغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل: يا أمة ايتيني بثيابي الجدد، فلبستْها … ثم قالت: قد اغتسلت فلا يكشفن لي أحد كفنًا (جامع الآثار في مولد النبي المختار لابن ناصر الدين الدمشقي: 3/1190)
… ثم تبسمت، ولم تر مبتسمة بعد وفاة أبيها إلا ساعة فارقت الحياة، فرضي الله عن فاطمة البتول وأرضاها، وصلى الله وسلم وبارك على من رباها وأحبّها.
روايتها للحديث عن النبي ﷺ:
روت السيدة فاطمةرضي الله عنها ثمانية عشر حديثًا عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، حديثٌ واحدٌ منها متّفقٌ عليه عند الإمامين البخاري ومسلم، والأحاديث الأخرى في مصنفاتٍ حديثيّةٍ أخرى، كما روى عنها ابنها سيدنا الحسين رضي الله عنه، وروت عنها أم المؤمنين عائشة، وأم المؤمنين أم سلمة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين وروايتها في الكتب الستة أيضًا (سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/415).
الخاتمة :
هذه مقتبسات وملامح من حياة سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون مشعلًا ونبراسًا ينير القلوب، وكل حياة السيدة فاطمة رضي الله عنها مليئة بالدروس والعبر، حيث ناصرت الدعوة في صباها ودافعت عن أبيها، وفي تزويجها وتجهيزها وصبرها على صعوبات الحياة نجد عبرًا ودروسًا لكثير من مشاكل الحياة.
ولا شك أن السيدة فاطمة رضي الله عنها قدوة لكل امرأة مسلمة؛ لأنها باب الحياء، والمثل الأكبر ومفخرة الطهر والعفة، فعلينا جميعا أن نربي بناتنا على الحياء ونخبرهن أن الخير كل الخير في الحياء والعفة.
فرضي الله الزهراء ريحانة سيد ولد آدم، وزوجة سيد الفرسان، وأم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأم زينب بطلة معركة كربلاء وأرضاها، واجعلنا اللهم في الدارين في حماهم.
أشهر الكتب المؤلفة حول سيرتها وفضائلها:
جزء فيه تزويج فاطمة بنت رسول الله للإمام الباقر رضي الله عنه. (المتوفى: 113ه) (خزانة التراث - فهرس مخطوطات: 84/510)
فضائل فاطمة لابن شاهين (المتوفى: 385ه)
فضائل فاطمة الزهراء للحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (المتوفى: 405ه)
مناقب فاطمة بنت رسول الله وتزويجها لعلي بن أبي بكر الهيثمي (المتوفى: 807ه)
"الثغور الباسمة في مناقب فاطمة" و"مسند فاطمة الزهراء" للإمام جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911ه)
إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب، لمحمد عبد الرؤوف الْمُناوِي (المتوفى: 1031)
عِقد اللول -مقتطفات من سيرة الزهراء فاطمة البتول للسيد محمد بن حسن بن علوي الحداد (1132 ه)
الدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة لعبد الله بن إبراهيم مير غني الحنفي المكي (1207 ه)
تعليقات