أحوال المحبين لسيد المرسلين | الشيخ شفيق العطاري


نشرت: يوم الأَربعاء،27-أكتوبر-2021

أحوال المحبين لسيد المرسلين

عن سيدنا أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ :

لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين

[صحيح البخاري، 17/1، (15)]

مراتب المحبة

قال العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني رحمه الله: وقد ينتهي المحب في المحبة إلى أن يؤثر هوى المحبوب على هوى نفسه.

[إرشاد الساري، 164/1]

قال أبو عبد الله القرشي رحمه الله: حقيقة المحبة أن تهب كذلك لمن أحببت فلا يبقى لك منك شيء.

وقال أبو بكر الشبلي رحمه الله: سميّت المحبة محبة؛ لأنّها تمحو من القلب ما سوى المحبوب.

[الرسالة القشيرية، ص 351]

وقد ذكر في حديث البخاري أنّ محبة النبي ﷺ أكثر من محبّة الأهل والولد والوالد وكافّة الناس، ولكنّه يشمل النفس والذات من داخلها، وليس المراد بهذا الحديث بأنّ حبّ النفس والذات أكثر من محبّة النبي ﷺ، فلا يكمل ولا يتم إيمان العبد حتى يحب النبي ﷺ أكثر من حبه لنفسه، كما ورد في الحديث الشريف: عن سيدنا عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال:

كنّا مع النبي ﷺ وهو آخذ بيد سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبُّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي ﷺ: «لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبّ إليك من نفسك» فقال له عمر: فإنّه الآن، والله، لأنت أحبُّ إليّ من نفسي، فقال النبي ﷺ: الآن يا عمر

[صحيح البخاري، 17/1، (15)]

من مظاهر محبة النبي ﷺ

وقد كان أكبر دليل على صدق الحب لرسول الله ﷺ هو طاعته واتّباع شريعته، ونصر دينه وسنّته، والإقتداء في أقواله وأفعاله، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر.

نماذج من محبة النبي ﷺ

  1. قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا ﴾ [النساء: 69] نزلت في سيدنا ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله ﷺ، وكان شديد الحبّ لرسول الله ﷺ قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونه يُعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله ﷺ: «ما غيّر لونك؟» فقال: يا رسول الله، ما بي مرضٌ ولا وجعٌ غير أنّي إذا لم أرك استوحشتُ وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرتُ الآخرة فأخافُ أن لا أراك لأنّك تُرفع مع النبيين، وإنّي إن دخلتُ الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية. [تفسير البغوي، 358/1]
  2. ويروی أنّ امرأة قالت لسيدتنا عائشة رضي الله عنها بعد موت رسول الله ﷺ اكشفي قبر رسول الله ﷺ، فكشفته لها فبكت حتى ماتت. [شرح البخاري للسفيري، 408/1]
  3. وقد سُئل الإمام مالك عن أيوب السختياني رحمهما الله فقال: حجّ حجّتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غيرًا أنّه كان إذا ذكر النبي ﷺ بكى حتى أرحمه.
  4. وقال الإمام مالك: ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير رحمهم الله فإذا ذكر عنده النبي ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.
  5. ولقد رأيت ابن شهاب الزهري رحمه الله وكان من أهنأ الناس وأقربهم فإذا ذكر عنده النبي ﷺ فكأنه ما عرفك ولا عرفته.
  6. لقد كنت آتي صفوان بن سليم رحمه الله وكان من المتعبّدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي ﷺ بكى فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه. [الشفاء للقاضي عياض، ص 41-43، مختصرًا]

أيها الإخوة! إنّ أفضل وسيلة لنيل محبة الله ورسوله ﷺ في قلب المؤمن، هو الالتحاق ببيئة صالحة مثل بيئة مركز الدعوة الإسلامية، وسیصبح المئات بل الآلاف من الناس ملتزمين بسنن رسول الله ﷺ وينالون محبة الله ورسوله ﷺ.

وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني رحمه الله:

وقائل هل عمل صالح

أعددته ينفع عنك الكرب

فقلت حسبي خدمة المصطفى

وحبّه فالمرء من أحبّ

[نسيم الرياض للخفاجي، 105/2]

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حب النبي في الحياة والممات، آمين بجاه النبي الأمين ﷺ.

تعليقات



رمز الحماية