مدونات مختارة
الأكثر شهرة
كيف نعالج أساليب تربية الأطفال الخاطئة؟ | عبدالله المدني
زارت امرأة طبيبًا نفسيًّا مع ابنها الصغير واشتكت إليه كثرة عصبيته قائلة: إنني أنصحه دائمًا بلساني بأن لا يغضب ولكن دون جدوى لم أجد لتوجيهي أيّ فائدة، فسألها الطبيب قائلاً: كم مرة تغضبين باليوم؟
قالت: أنا عصبية ولكن ليس على ابني، فقال لها: تفكَّري جيدًا ربما تقدّمي أمامه موقفًا عصبيًّا بين حين وآخر، فتأمّلتْ قليلاً وقالتْ: عندما أغضب بالهاتف على صديقتي أو أرفع صوتي على العاملة التي عندي بالمنزل أو أتوتّر عندما يتأخّر عليّ شيء أطلبه على الفور، هو يراقب سلوكياتي بعناية.
فردّ عليها الطبيب: هذا هو الدرس العملي الذي أنت تعطينَه لابنك بأن التصرفات العصبية هي الطريق الصحيح للتعامل مع أحداث الحياة، فأنت تربَّينه بسلوكك ولغة جسدك وهذا ما يُسمَّى بـ"الحوار غير اللفظيّ" وهو ذو تأثير كبير جدًّا.. مما أدَّى به إلى غرس هذه الصفة القبيحة في قلبه الصغير، ولا يوجد حلّ أو علاج لهذه المشكلة إلا أن تتجنَّبي أيَّ موقف عصبي أمامه..
هذه القصة القصيرة تعلّمنا مدى التأثير السلبيّ للتصرفات السيئة على نفسية الطفل، فلننتبه لسلوكنا أكثر من تركيزنا على كلامنا..
تأثير تصرفات الوالدين على الطفل:
يرتكز الكثير من الآباء والأمهات على تربية أبنائهم اللفظية من خلال الكلام التوجيهي، بينما يربّونهم بتأثير سلبي أكثر وأكبر من حيث لا يشعرون من خلال التربية غير اللفظية، ألا وهي "لغة الجسد" من خلال النظر والإشارة وتعابير الوجه وحركة الجسد واللباس والرائحة واللمس وما إلى ذلك، فالجسد يتكلّم ويربّي أكثر من اللسان، ولذلك نجد كثيرًا من الآباء والأمهات يستغربون من سلوكيات أبنائهم ويقولون: إنهم لا يعرفون من أين تلقّوا هذه التربية الخاطئة، بينما لو راجعوا أنفسهم وسلوكياتهم ولغة أجسادهم لاكتشفوا أنهم هم السبب، فالتربية غير اللفظية تؤثر بالقيم والسلوك أكثر من التربية اللفظية.
ولقد ذكر خبراء الاتصال والتواصل أن الإنسان يتأثر باللغة اللفظية بنسبة 35% بينما يتأثر باللغة غير اللفظية أي لغة الجسد بنسبة 65%، ولذلك أكّد عدد من علماء النفس أن الطفل يتعلم من أفعال والديه أكثر من أقوالهما، فيمكننا تشبيهه بكاميرا فيديو تَرصُد ما يفعله الأبوان ويخزنه للعمل في أقرب فرصة متاحة لديه، أو يمكننا أن نمثّله بالإسفنجة التي تلتقط كل شيء ويتشكل سلوكه بما يعاينه، ولذلك يحرص على تقليد تصرفات والديه بأدقّ تفاصيلها ليصبح مثلهما تمامًا، فمثلًا لو نشأ في بيت يرى فيه كل يوم والده يدخن أمامه، فمهما علّمناه بلساننا بأن التدخين مُضِرٌّ بالصحة يظل تأثير لسان الحال والمقال والسلوك أكبر، ولو راجعنا أنفسنا لاكتشفنا أننا ربينا أبناءنا على قيم كثيرة دون أن نكون واعين لذلك، وهذا بسبب تركيزنا على التربية اللسانية بالكلام أكثر من مراقبة لغتنا غير اللفظية، ففي هذه الحالة تقع على عاتق الوالدين مسؤولية الاهتمام بالأمور التالية:
- أخذ الحيطة والحذر في نشأة الطفل وتربيته.
- الابتعاد عن كل ما يؤثّر على طفلهما سلبيًّا ويجعله فاشلاً في حياته المستقبلية.
- الاعتناء بتربيته السليمة من خلال إعطائه التوجيهات والتعليمات الصحيحة التي تُفِيده وتُسعِده في المستقبل.
- تحويل تصرفاتهما نحو الإيجاب ليتمكّن الطفل من تعلّم تصرفات صحيحة وسليمة.
زهرة عطرة من بستان التربية النبوية:
أيها القارئ الكريم! بالنسبة لما سبق من توجيهات هو نصائح هامة حول التربية غير اللفظية للطفل، وهنا أودّ أن أقدّم لك نموذجًا رائعًا من سيرة حبيبنا الكريم ﷺ، فإن من يتأمل سيرته ﷺ في تعامله مع الأطفال الصغار يكتشف أن نبينا الكريم ﷺ كان يمنح الصغير حقّه ويقدّره ويحترمه، ويتعامل معه وكأنه كبير، فلا يفرّق بينه وبين الكبار في المعاملة، وإنما يرجّح جانب الحقّ وينظر إلى الحق قبل أن ينظر إلى السِّن ويقدّم الحق على السِّن؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لو أخّر حقّ الصغير من أجل الكبير ليترتّب على ذلك نشأة جيل يرى أن حقوقه مغتصبة، فينتقم هذا الجيل الناشئ من الكبار بل ومن المجتمع كله، ولكنه عليه الصلاة والسلام يربّي الصغار من خلال سلوكه القويم وموقفه الجميل ولغة الجسد بالإضافة إلى استخدام الكلمة التوجيهية في العملية التربوية، وقصته مع الغلام تبين لنا ذلك وهي:
أن رسول الله ﷺ أُتِي بشراب، فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أُعطِي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله يا رسول الله! لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتلَّه رسول الله ﷺ في يده (صحيح البخاري: 2451).
هكذا راعى النبي ﷺ حقّ هذا الغلام وحفظ له كرامته، ولم يعامله بأخلاق الصحراء، بالرعونة أو الجفاء، وهذا هو الطريقة الصحيحة في التعامل مع الصغار، والتي تعطينا درسًا عمليًّا هامًّا في قضية التربية الحسنة للأطفال، يتطلّب منا أن نجعله جزءًا من تربيتنا، وأن نربّي بسلوكنا أولًا ثم ندعم ذلك القيمة بحوارنا.
رسائل تربوية إلى الوالدين:
عزيزي القارئ! في سياق موضوعي أحببتُ أن أضيف بعض النصائح الثمينة والمهمة التي يجب على كلٍّ من الوالدين اتباعها، ليتمكنوا من تربية أطفالهم جيدًا حتى يكونوا ناجحين في حياتهم:
• أولاً: كونوا قدوة حسنة لأبنائكم واجعلوا أفعالكم خير مترجمٍ لأقوالكم.
• ثانيًا: احذروا التناقض بين أقوالكم وأفعالكم، فلا تنهَوا أولادكم عن السبّ والشتم وأنتم تفعلون ذلك، فهذا غير منطقي على الإطلاق.
• ثالثًا: تجنَّبوا قاعدة: "افعَلْ ولا تفعَلْ" فمثلاً، إذا أردتم أن تعلّموه التعاون، قوموا بأداء بعض المهام في المنزل واطلبوا منه أن يساعدكم.
• رابعًا: لتشجيعهم على تحمّل المسؤولية، عوّدوهم منذ الصغر مثلًا على ترتيب غرفهم وحقائبهم وألعابهم وحوائجهم الخاصة.
• خامسًا: حافظوا على صلواتكم وقراءتكم للقرآن الكريم وليصحبْ الوالد ولده معه إلى المسجد إن كان عارفًا بآداب المسجد واحترامه ليتعوّد منذ صغره على تأدية ما عليه من حقوق الله تعالى.
• سادسًا: احرصوا على الحضور في مجالس الخير والدعوة مستصحبين أولادكم ليتعلّموا ما يلزم عليهم تجاه دينهم بالإضافة إلى كيفية القيام بالعبادات والطاعات.
• سابعًا: فكّروا دائمًا قبل الانفعال، فالطفل يتعلم من أفعالكم أمامه أكثر من كلامكم له.
• ثامنًا: عوّدوا أطفالكم على صلة الأرحام وذلك بترغيبهم في احترام وتقدير الأعمام والأخوال وغيرهم من الأقارب، وإن وُجِد خلاف معهم، فلا تقحموا أطفالكم في هذا الخلاف.
هذه بعض النصائح الهامّة، قم بتنفيذها في حياتك لأجل تربية أولادك، فإنهم ثروتك وأملك في المستقبل وهم أمانة في عنقك فلا تضيعها بالإهمال أو التقصير ولا تجعلهم ضحيَّة لتصرفاتك الخاطئة أو مشاكلك الشخصية، فإنهم يستحقون منك أفضل ما لديك من قدرات وجهود، فلا تبخل عليهم به ليتمكّنوا من تقدّم وازدهار كل يوم في شخصياتهم وقدراتهم، وحتى يكونوا قادة ونماذج يُحتذَى بها في منظور الجيل الجديد، وإذا كنت تبحث عن أفضل الطرق لتربية أبنائك وتعزيز العلاقة بينك وبينهم، أو تبحث عن منصات تعليمية متميزة تدعمك في مسيرة تربيتهم وتعليمهم بشكل مثاليّ، فأنصحك بقراءة مقال مفيد عنوانه: "كيف تقوّي علاقتك بأبنائك؟" في العدد الثامن من مجلتنا مجلة "نفحات المدينة".
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبّ ويرضى، وأن يجعل أولادنا صالحين عاملين بالكتاب والسنة، وأن يهدي الآباء الذين يُهملون في شأن تربية أولادهم أو يربّونهم على منهج غير المسلمين والغرب، -آمين- وصلى الله تعالى على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
تعليقات