مدونات مختارة
الأكثر شهرة
غزوة الخندق الجزء الثاني | الشيخ علاء زيات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
بعد تحدثنا عن بداية أحداث المعركة، وكيف أن المسلمين عانوا من حصار الكفار لهم، نكمل قصتنا اليوم بالحديث عن ثلاث نقط: ( الخدعة في الحرب – هزيمة الأحزاب – دروس مستفادة )
1. الخدعة في الحرب:
جاء نعيم بن مسعود الأشجعي وهو صديق قريش واليهود ومن غطفان، فقال: "يا رسول الله إني قد أسلمت وقومي لا يعلمون بإسلامي فمرني بأمرك حتى أساعدك". فقال:
((أنت رجل واحد وماذا عسى أن تفعل؟ ولكن خذّل عنّا ما استطعت فإن الحرب خدعة)).
فخرج من عنده وتوجّه إلى بني قريظة الذين نقضوا عهود المسلمين، فلمّا رأوه أكرموه لصداقته معهم فقال: "يا بني قريظة تعرفون ودّي لكم وخوفي عليكم، وإني محدّثكم حديثا فاكتموه عنّي"، قالوا: "نعم"، فقال: "لقد رأيتم ما وقع لبني قينقاع والنضير من إجلائهم وأخذ أموالهم وديارهم، وإنّ قريشا وغطفان ليسوا مثلكم فهم إذ رأوا فرصة انتهزوها وإلّا انصرفوا لبلادهم. وأما أنتم فتساكنون الرجل-يقصد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-ولا طاقة لكم بحربه واحدكم فأرى ألا تدخلوا في هذه الحرب حتى تستيقنوا من قريش وغطفان أنهم لن يتركوكم ويذهبوا إلى بلادهم بأن تأخذوا منهم رهائن سبعين شريفاً منهم"، فاستحسنوا رأيه وأجابوه إلى ذلك.
ثم قام من عندهم وتوجّه إلى قريش فاجتمع برؤسائهم، وقال: "أنتم تعرفون ودّي لكم ومحبتي إيّاكم وإني محدّثكم حديثا فاكتموه عني"، قالوا: "نفعل"، فقال لهم: إنّ بني قريظة قد ندموا على ما فعلوه مع محمد وخافوا منكم أن ترجعوا وتتركوهم معه"، فقالوا له: "أيرضيك أن نأخذ جمعاً من أشرافهم ونعطيهم لك، وتردّ جناحنا الذي كسرت-يريد بني النضير-فرضي بذلك منهم. وها هم مرسلون إليكم فاحذروهم ولا تذكروا مما قلت لكم حرفاً".
ثم أتى غطفان فأخبرهم بمثل ما أخبر به قريشاً، فأرسل أبو سفيان وفداً لقريظة يدعوهم للقتال غداً فأجابوا: "إنّا لا يمكننا أن نقاتل في السبت -وكان إرساله لهم ليلة السبت-ولم يصبنا ما أصابنا إلّا من التعدّي فيه، ومع ذلك فلا نقاتل حتى تعطونا رهائن منكم حتى لا تتركونا، وتذهبوا إلى بلادكم"، فتحققت قريش وغطفان كلام نعيم بن مسعود، وتفرّقت القلوب فخاف بعضهم بعضا.
2. هزيمة الأحزاب:
وكان عليه الصلاة والسلام قد ابتهل إلى الله الذي لا ملجأ إلّا إليه ودعاه بقوله:
«اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم
وقد أجاب الله دعاءه عليه الصلاة والسلام فأرسل على الأعداء ريحاً باردة في ليلة مظلمة، فخاف العرب أن تتفق اليهود مع المسلمين ويهجموا عليهم في الليلة المدلهمّة فأجمعوا أمرهم على الرحيل قبل أن يصبح الصباح.
ولما سمع عليه الصلاة والسلام الضوضاء في جيش العدو، قال لأصحابه:
((لا بدّ من حادث! فمن منكم ينظر لنا القوم؟))
فسكتوا حتى كرّر ذلك ثلاثاً. وكان فيهم حذيفة بن اليمان، فقال عليه الصلاة والسلام
((تسمع صوتي منذ الليلة ولا تجيب!))
فقال: "يا رسول الله البرد شديد"، فقال: ((اذهب في حاجة رسول الله واكشف لنا خبر القوم)) فخاطر رضي الله عنه بنفسه في خدمة نبيّه حتى اطّلع على جليّة الخبر، وأن الأعداء عازمون على الرحلة.
وقد بلغ من خوفهم أن كان رئيسهم أبو سفيان يقول لهم: "ليتعرّف كلّ منكم أخاه، وليمسك بيده حذراً من أن يدخل بينكم عدو"، وقد حلّ عقال بعيره يريد أن يبدأ بالرحيل، فقال له صفوان بن أمية: "إنك رئيس القوم فلا تتركهم وتمضي"، فنزل أبو سفيان وأذن بالرحيل، وترك خالد بن الوليد في جماعة ليحموا ظهور المرتحلين حتى لا يدهموا من ورائهم، وأزاح الله عن المسلمين هذه الغمّة التي تحزّب فيها الأحزاب من عرب ويهود على المسلمين، ولولا لطف الله وعنايته بهذا الدين منّة منه وفضلا لساءت الحال. وكان جلاء الأحزاب في ذي القعدة، وكان حقا على الله أن يسمّيه نعمة بقوله في سورة الأحزاب:
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً﴾.
3. دروس مستفادة:
إن هذه الحادثة العظيمة يستفاد منها دروس كثيرة، لعلنا نقف على أبرزها:
- ليست الغلبة للأقوى عدة وعتاداً، إنما النصر من عند الله.
- يجوز للمسلم أن يكذب على الأعداء لنصرة المسلمين، فالحرب خدعة.
- أن المنافقين مهما أظهروا التعاطف والانقياد للإسلام، إلا أن الله تعالى سيفضحهم في يوم من الأيام.
- مع شدة الابتلاء يكون الفرج من الله تعالى.
نسأل الله تعالى إيماناً كاملاً، ونعيماً دائماً، وثباتاً على طاعته، ونشراً لتعاليم دينه وسنة حبيبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وأن يوفقنا على ذلك في مركز الدعوة الإسلامية إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين...
تعليقات