فَأَخَذَ الْخُرَاسَانِيُّ الكِتَابَ وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا، فَأَقَامَ الْخُرَاسَانِيُّ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَأَوْصَى إِلَى امْرَأَتِهِ إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي فَادْفَعِي هَذَا الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ يَجْعَلُوهُ فِي أَكْفَانِي فَفَعَلُوا، وَدُفِنَ الرَّجُلُ الْخُرَاسَانِيُّ فَوَجَدُوا عَلَى ظَهْرِ قَبْرِهِ مَكْتُوبًا فِي رَقٍّ كِتَابًا أَسْوَدَ فِي ضَوْءِ الرِّقِّ "بَرَاءَةٌ لِحَبِيبٍ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنَ الْمَنْزِلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِفُلَانٍ الْخُرَاسَانِيِّ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَدْ دَفَعَ رَبُّهُ إِلَى الْخُرَاسَانِيِّ مَا شَرَطَ لَهُ حَبِيبٌ وَأَبْرَأَهُ مِنْهُ"، فَأُتِيَ سيدنا حَبِيبٌ بِالكِتَابِ فَجَعَلَ يَقْرَؤُهُ وَيُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيَمْشِي إِلَى أَصْحَابِهِ وَيَقُولُ: هَذِهِ بَرَاءَتِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ[1].
انتبه! إلى أنّ استعمال سيدنا حبيب رحمه الله تعالى الأمانة وثقته بالتّصدّق بها على النّاس؛ هي من الأحوال الخاصة لأولياء الله تعالى، وإلّا فلا يجوز لأحدٍ أنْ يستخدم أو ينفق أمانة الآخر بدون إذنه.
أمانة لا مثيل لها وصدقة لا تضاهى
وممّا روي أيضًا عن سيدتنا عائشة الصدّيقة رضي الله تعالى عنها زَوْجِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ، فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا: أَعْطِيهِ إِيَّاهُ.
فقالت: لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ.
قالت: أَعْطِيهِ إِيَّاهُ.